…الوجه الثاني: وهو أقرب إلى الحق، وإن كان أخفى وأدق، وبيانه يتوقف على مقدمة وجيزة في تأثير الأرواح في الأشباح، وهي أن المخلوقات قسمان أجسام كثيفة وأرواح لطيفة، وأن اللطيف هو الذي يحدث في الكثيف الحي ما نراه فيه من النمو والحركة والتولد الذي يكون من النمو أو يكون النمو منه. فلولا الهواء لما عاشت هذه الأحياء، والهواء روح، والماء الذي منه كل شيء حي مركب من روحين لطيفين وهو يكاد يكون في حال التركيب وسطاً بين الكثيف واللطيف، ولكنه أقرب إلى الثاني، والكهرباء من الأرواح وناهيك بفعلها في الأشباح. فهذه الموجودات اللطيفة التي سميناها أرواحاً هي التي تحدث معظم التغيير الذي نشاهده في الكون. فإذا كان الأمر كذلك في الأرواح التي لا دليل عندنا على أنها تدرك وتريد، فلم لا يجوز أن يكون تأثير الأرواح العاقلة المريدة أعظم!! إذا تمهد هذا فنقول: إن الله المسخر للأرواح المنبثة في الكائنات قد أرسل روحاً من عنده إلى مريم فتمثل لها بشراً ونفخ فيها، فأحدثت نفخته التلقيح في رحمها، فحملت بعيسى عليه السلام. وهل حملت إليها تلك النفخة أم لا؟ الله أعلم"(١).

(١) تفسير المنار، ٣/٣١٠.


الصفحة التالية
Icon