…وهكذا صير أصحاب تفسير المنار المعجزة وهي أن تلد البنت البكر بدون أن يمسها بشر بإرسال الله جبريل -عليه السلام- إلى مريم بأنه أمر حصل بالتهيؤات لمريم عليها السلام، أو بالانفعالات التي تحدثها الأرواح اللطيفة "على حد تعبيره" المنبثة في الكائنات. وهو لا يؤمن بأمر الله للملائكة أن تجري مثل هذه المعجزات. ولهذا عقب ذلك قال: "أما البحث في تمثل هذه الأرواح التي تسمى بلسان الشرع الملائكة فسيأتي الكلام عليه إذا أنسأ الله لنا في الأجل ووفقنا للمضي في هذا العمل "التفسير"(١). ومن يقرأ الآيات ٤٥-٥٠ من سورة آل عمران يدرك جازماً أن المعجزة تمت بإرسال الله عز وجل الملائكة إلى مريم عليها السلام لتبشرها بالمسيح يلد منها من غير أب، ويكلم الناس في المهد وكهلاً ويبيّن لها أن الله يخلق ما يشاء على سنته ﴿ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ (٢)، ويعلمه الكتاب وهو طفل رضيع، ويعلمه الحكمة والتوراة والإنجيل ويبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل ومعه آيات من ربه منها أنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله... الخ المعجزات(٣). وقال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ (٤). وبهذا يتضح خطورة الشوائب التي أتى بها أصحاب تفسير المنار في تقليل شأن معجزة ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام.

(١) المصدر السابق نفسه.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ٤٨.
(٣) ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله، وينبئ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ٥٩.


الصفحة التالية
Icon