قوله: "إن الأحكام الاجتهادية التي لم تثبت بالنص القطعي الصريح رواية ودلالة لا تجعل تشريعاً عاماً إلزامياً" قول خطير يجهز على الإسلام، ويعطل العمل به لأنه يلغي جل السنة النبوية الكريمة لأنها غير متواترة، وتلغي كثيراً من نصوص القرآن لأن دلالتها ظنية، ومنها قوله تعالى :﴿ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ﴾ (١)، ومنها ﴿ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ ﴾ (٢). كما يخرج الحديث المتواتر الذي دلالته ظنية. ولا يقول بهذا مسلم. فقد انعقد الإجماع عند الصحابة –رضوان الله عليهم- على وجوب العمل بخبر الواحد في الأحكام(٣). وقال الغزالي في المستصفى: "وأما العمل بخبر الواحد فمعلوم الوجوب بدليل قاطع أوجب العمل عند ظن الصدق. والظن حاصل قطعاً ووجوب العمل عنده معلوم قطعاً كالحكم بشهادة اثنين أو عن يمين المدعي مع نكول المدعى عليه"(٤). قال الشافعي: "ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصّة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد، والانتهاء إليه، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحدٌ إلا وقد ثبَّتهُ، جاز لي. ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفت من أن ذلك موجودٌ على كلهم"(٥).

(١) سورة المائدة، الآية: ٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٢٨.
(٣) ذكر ذلك ابن حزم في إحكامه.
(٤) الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، المستصفى من علم الأصول، ١/١٤٦، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، ط٢، عن الطبعة الأولى بالمطبعة الأميرية، ببولاق، مصر، ١٣٢٢هـ.
(٥) الشافعي، محمد بن إدريس، الرسالة، ص ٤٥٧-٤٥٨، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، تحقيق: أحمد شاكر، وقد استمر في ذكر الأدلة (الحقة) في تثبيت خبر الواحد من ص٤٠١. واستمر كذلك بعد موضع النقل ص٤٥٨.


الصفحة التالية
Icon