…اتفقت كلمة البشر، موحدين ووثنيين، مليين وفلاسفة، إلا قليلاً لا يقام لهم وزن على أن لنفس الإنسان بقاء تحيا به بعد مفارقة البدن، وأنها لا تموت موت فناء مطلقاً، وإنما الموت المحتوم هو ضرب من البطون والخفاء، وإن اختلفت منازعهم في تصوير ذلك البقاء، وفيما تكون عليه النفس وتباينت مشاربهم في طرق الاستدلال عليه فمن قائل بالتناسخ(١) في أجساد البشر أو الحيوان على الدوام، ومن ذاهب إلى أن التناسخ ينتهي عندما تبلغ النفس أعلى مراتب الكمال. ومنهم من قال: إنها متى فارقت الجسد عادت إلى تجردها من المادة، حافظة لما فيه لذتها أو ما به شقوتها. ومنهم من رأى أنها تتعلق بأجسام أثيرية ألطف من هذه الأجسام المرئية، وكأن اختلاف المذاهب في كنه السعادة والشقاء الأخرويين، وفيما هو متاع الحياة الآخرة. وفي الوسائل التي تعد للنعيم أو تبعد عن النكال الدائم. وتضارب آراء الأمم فيه، قديماً وحديثاً مما لا تكاد تحصى وجوهه.

(١) قال محمد عمارة في الهامش معلقاً: "نظرية قديمة قال بها فيثاغورس، أخذاً عن الفلسفة الهندية، وهي تعني انتقال النفس بعد الموت إلى جسم آخر، سواء أكان نباتاً أو حيواناً أو إنساناً. ومن المتصوفة من يرى تقسيم التناسخ بحسب ما تنتقل إليه النفس فإذا انتقلت من إنسان إلى إنسان سمي نسخاً. وإذا انتقلت من إنسان إلى نبات سمي (فسخاً) وإذا انتقلت من إنسان إلى جماد سمي (رسخاً). ص ٩٥ هامش رسالة التوحيد نقلاً عن المعجم الفلسفي، د. مراد وهبه وآخرون. طبعة القاهرة ١٩٦٦م، مادة تناسخ.


الصفحة التالية
Icon