…هذا الشعور العام بحياة ما بعد هذه الحياة، المنبث في جميع الأنفس، عالمها وجاهلها، وحشيها ومستأنسها، باديها وحاضرها، قديمها وحديثها، لا يمكن أن يعد ضلة عقلية أو نزعة وهمية(١). وإنما هو إلهامات اختص بها هذا النوع كما ألهم الإنسان أن عقله وفكره هما عماد بقائه في هذه الحياة الدنيا"(٢). وأردف قائلاً: "وإن شذ أفراد منه، ذهبوا إلى أن العقل والفكر ليسا بكافيين للإرشاد في عمل ما، أو إلى أنه لا يمكن للعقل أن يوقن باعتقاد، ولا الفكر أن يصل إلى مجهول بل قالوا أن لا وجود للعالم إلا في اختراع الخيال وأنهم شاكون حتى في أنهم شاكون"(٣).
…وقال: "ولم يطعن شذوذ هؤلاء في صحة الإلهام العام المشعر لسائر أفراد النوع أن الفكر والعقل هما ركن الحياة وأسس البقاء إلى الأجل المحدود. كذلك قد ألهمت العقول وأشعرت النفوس أن هذا العمر القصير ليس هو منتهى ما للإنسان في الوجود، بل الإنسان ينزع هذا الجسد كما ينزع الثوب عن البدن، ثم يكون حياً باقياً في طور آخر وإن لم يدرك كنهه. ذلك إلهام عقلي يكاد يزاحم البديهة في الجلاء. يشعر كل نفس أنها خلقت مستعدة لقبول معلومات غير متناهية من طرق غير محصورة، شيقة إلى لذائذ غير محدودة، ولا واقفة عند غاية مهيأة لدرجات من الكمال لا تحددها أطراف المراتب والغايات.. (٤). وقال: "فمن كان استعداده لقبول ما لا يتناهى من معلومات وآلام ولذائذ وكمالات لا يصح أن يكون بقاؤه قاصراً على أيام أو سنين معدودات"(٥).

(١) رسالة التوحيد، ص ٩٤، ٩٥.
(٢) رسالة التوحيد، ص ٩٦.
(٣) المصدر السابق نفسه.
(٤) رسالة التوحيد، ص ٩٧.
(٥) المصدر السابق نفسه.


الصفحة التالية
Icon