…وبهذا التصريح يزداد تبختر هذه الحقيقة اتضاحاً، وتتضاءل تلك الشبهة (إصلاح القوم) افتضاحاً بما دبجته يراع الشيخ محمد عبده، فلا معنى للوطنية حسب هذا التصريح إلا العمالة للإنجليز، وخيانة المسلمين. فهل يعقل أن يفهم مخلوق على وجه الأرض هذا أن مفهوم الوطنية إذا أطلقت تعني الخيانة والعمالة للإنجليز الأعداء؟ّ! (١) فمن يفعل ذلك يكن خائناً لدينه وأمته ووطنه ونفسه، ومن هنا نشدد على أهمية مقولة الشيخ رشيد أنه لابد من فهم مذهب الشيخ محمد عبده في الإصلاح أولاً لمعرفة آرائه الدينية والسياسية.
ثامناً: الخيانة:
…وأما الخائن والعميل في اصطلاحهم فهو من يعتقد معتقدهم ويتقاعس عن مؤازرة إخوانه، أو من يعاكسهم ويقاومهم، وقال الشيخ رشيد: "ويجب على جميع العقلاء من الشرقيين أن يساعد هؤلاء الذين يجاهدون في سبيل الأمة والوطن ومن يتقاعس عن مؤازرتهم ومعاضدتهم فهو خائن لأمته ودولته، وعامل خراب على وطنه. فما بالك بمن يعاكسهم ويشاكسهم ويقاومهم ويصادمهم كل خائن ملعون يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون"(٢).

(١) ظروف كتابة هذا المقال كان الشيخ محمد عبده في السجن في مصر ينتظر المحاكمة، وكانت مصر تابعة للنفوذ الإنجلوفرنسي حيث تآمرت بريطانيا مع عملائها في مصر لإحداث ثورة عرابي باشا لإيجاد المبرر لإنزال قواتها العسكرية لتشارك الاستعمار الفرنسي الذي نزل في ١٧٩٨م ثم تطرده في النهاية. وكاد يصل الشيخ محمد عبده لليأس حيث بُصق عليه وعذبه القائد التركي الذي تولى سجنه، وقد ذكر محامي الشيخ الكسندر برودلي الإنجليزي هذا الضعف الذي اعتراه. فعمل محمد عبده وعرابي كان خدمة جليلة للإنجليز فلماذا يكون الجزاء أن يوضع في السجن وينفى، وسلطان باشا ينعم بالمراكز العالية.
(٢) مجلة المنار، م١، ١٢/٢٨٣.


الصفحة التالية
Icon