…وهكذا تجد المصطلحات منكوسة فمن يحارب عملاء الكافر المستعمر، أو من يخرج من حزبهم يعد خائناً. ولله في خلقه شؤون. فليعلم المفتونون برجالات هذه المدرسة هذه الحقائق لعلهم يغيّرون ويبدلون.
تاسعاً: الجامعة الإسلامية:
…التبس على كثير من الناس أن جمال الدين الأفغاني كان يدعو لجامعة إسلامية بمعنى توحيد المسلمين في دولة واحدة ضد دول أوروبا الاستعمارية، ولا يعقل أن يكون هذا مراداً لجمال الدين على ضوء عقيدته، وطبيعة الإصلاح الذي يدعو إليه، وولائه لأولياء نعمته الذين لا تغيب الشمس عن امبراطوريتهم. وحتى لا يفتتن الناس بذلك حذر الشيخ رشيد ولفت الأنظار حتى لا يفهم إصلاح القوم على غير واقعه. وقد ترجم لنا هذه الملاحظة بمثال حي لكي يفهم من يريد الفهم. فكتب تحت عنوان "الجامعة الإسلامية": "يعرف اللورد كما يعرف جماهير القراء أن السيد جمال الدين الأفغاني كان أشهر دعاة ما يسمونه الجامعة الإسلامية ذكراً، وأقواهم صوتاً، وأكثرهم سعياً، وأشدهم اضطلاعاً، وقد اشتهر عنه أنه كان يحاول جمع كلمة المسلمين على خليفة واحدٍ أو سلطان منهم، والصحيح أنه لم يكن يدعو إلى ذلك ولم يخطر له على بال أن هذا مما تتناوله يد الإمكان، بل قال في معرض تنبيه المسلمين وحثهم على الوحدة: "ولست أعني أن يكون لهم إمام واحد فإن هذا ربما كان متعذراً وإنما أعني أن يكون إمامهم القرآن"(١).

(١) مجلة المنار، م١٠، ٣/٢١٨. وانظر: الأعمال الكاملة لمحمد عبده، جمع محمد عمارة، ١/٨٦٥، حيث قال: "إن المسلمين ليس لهم اليوم إمام إلا القرآن، وإن الكلام في الإمامة مثار فتنة يخشى ضره ولا يرجى نفعه". ومن الجدير بالذكر أن الخلافة كانت قائمة والسلطان عبد الحميد هو خليفة المسلمين.


الصفحة التالية
Icon