…فإنكار المعجزة سواء بالنفي التام أم بالتأويل الذي يخرجها عن حد الإعجاز يعد إنكاراً للدليل القاطع على صحة رسالة الرسل، ونبوة الأنبياء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. وإبقاء دعواهم مجردة عن كل حجة فلا توجب على الناس تصديقهم فيها وإلزامهم بها. ولذلك طلب فرعون من موسى فقال له: ﴿ قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ (١)، فأجابه موسى عليه السلام إلى طلبه، ولم يراجعه في صحة اقتراحه ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ ﴾ (٢). وهكذا اقترنت دعوى الرسالة بالمعجزة ومن يتدبر القرآن يجد أن خرق نواميس الكون هي المعجزة بحد ذاتها. وأنها حطمت قانون الأسباب والمسببات، والمعلولات وعللها، والغايات ووسائلها، فخلق آدم وزوجه، وميلاد عيسى لم يكن على سنن الكون من تلقيح الذكر للأنثى. وإشفاء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى الذي جرى على يد عيسى عليه السلام كل ذلك لم يكن على سنن الكون، وقلب الجماد (العصا) كائناً حياً يبتلع حبال السَّحَرة، وضرب الحجر بالعصا، وانفجار الماء منه، وضرب البحر بالعصا، وتكوين طرق من اليابسة في عرض البحر يجري عليها موسى وأتباعه، كل ذلك ليس من نواميس الكون. وقطع المسافات الشاسعة بسرعة البرق أو يزيد، وانطاق الحجر، وتكلم الحيوان الأعجم، وتوقف النار عن الإحراق والسكين عن القطع، كل ذلك جرى على سنة إلهية اخترقت سنن الكون ونواميس الطبيعة بأدلة قطعية لا مجال للمراء فيها. وهي تدل على عظمة الخالق، وعلى صدق مدّعي النبوة.

(١) سورة الأعراف، الآية: ١٠٦.
(٢) سورة الأعراف، الآيات: ١٠٧، ١٠٨.


الصفحة التالية
Icon