…فالشيخ رشيد جعل نصوص التوراة المحرفة قاضية على القرآن، ويضعّف أن تكون البقرة التي أمر بنو إسرائيل بذبحها أن تكون معجزة إذا ضرب القتيل ببعضها فإنه يحيى ويعترف على الذي قتله فقال: "والآية ليست نصاً في مجمله فكيف بتفصيله"(١)، ورأى أن البقرة من طقوس بني إسرائيل ووسيلة لكشف القاتل على الوجه الذي ذكره حسبما ورد في أسفار التوراة. وجعلها راجحة على ما ورد في القرآن ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (٢). وهكذا قلل من شأن المعجزة المادية التي صيّرها رب العالمين على يد موسى عليه السلام.
…وتبعه في هذا التفسير كل من اتخذ المدرسة العقلية الحديثة إماماً له، ومنهم صاحب التحرير والتنوير الشيخ محمد الطاهر بن عاشور. قال في تفسير الآية نفسها: "فالذي يظهر لي أنهما قصتان أشارت الأولى وهي المحكية هنا إلى أمر موسى إياهم بذبح بقرة وهذه هي القصة التي أشارت إليها التوراة في السفر الرابع وهو سفر التشريع الثاني (تثنية) في الإصحاح ٢١ أنه إذا وجد قتيل لا يعلم قاتله فإن أقرب القرى إلى موقع القتيل يخرج شيوخها ويخرجون عجلة من البقر لم يحرث عليها ولم تنجُر بالنير فيأتون بها إلى واد دائم السيلان لم يحرث ولم يزرع ويقطعون عنقها هنالك ويتقدم الكهنة من بني لاوي فيغسل شيوخ تلك القرية أيديهم على العجلة في الوادي ويقولون لم تسفك أيدينا هذا الدم، ولم تبصر أعيننا سافكه فيغفر لهم الدم" ا. هـ. وقال: "وكيفما كان فهذه بقرة مشروعة عند كل قتل نفس جهل قاتلها وهي المشار إليها هنا"(٣).
(٢) سورة البقرة، الآية: ٧٣.
(٣) انظر ١/٥٤٦-٥٤٧، تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر ١٩٨٤م.