…وهكذا نصّب الشيخ عبد الوهاب النجار من عقله الحر فاروقاً على القرآن مع أن نص القرآن واضح لا لبس فيه ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (١). فهي معجزة مادية خاصة بتلك الواقعة في بني إسرائيل. ثم في نهاية المطاف أقر ما جاء في التوراة مما ساقه الشيخ رشيد والشيخ محمد الطاهر بن عاشور(٢). وجعل الأمر شريعة معدّة في التوراة لبني إسرائيل لأن تتبع في النوازل والوقائع. وشبهه بما يحدث عند الأعراب في البلاد المصرية إذا قتل عندهم قتيل لا يعلمون قاتله واتجهت التهمة إلى قوم آخرين، أرسلوا إليهم رسولاً يقول لهم: إن دمنا عندكم فاذبحوا لنا ذبيحة، فإذا فعلوا جاء أولياء الدم وأقسم المتهمون يمين القسامة أنهم لم يقتلوا ذلك القتيل ولا يعلمون قاتله، ثم يسوى لهم لحم الذبيحة فيأكلون ويأمن بعضهم بعضاً وتثبت براءتهم من القتيل، يقولون الدم يمسح العيب"(٣).
…وهكذا جعل الشيخ عبد الوهاب أن القصة القرآنية حسب النصوص غير معقولة ولا مقبولة، وآثر ما ورد من التوراة مع افتقاره للقطيعة. وصوّر المعجزة بعادة موروثة عند المصريين.
…والغريب العجيب أن الشيخ عدّ ما قاله المفسرون المسلمون إسرائيليات، وشكك في نزاهة بعض الصحابة، وفي الوقت نفسه استشهد بنصوص التوراة وكأنها ليست إسرائيليات. وأستطيع أن أحكم بعد قرائتي لجميع ما كتب في تفسير الآية أن كتاباته هذه أقرب إلى الخواطر منها إلى التفسير، وهي أفكار تستحوذ على ذهنه، وليست بياناً لمعنى كلام رب العالمين، ولا أدلّ على ذلك من خلوصه من هذه القصة إلى أهمية علم النفس الجنائي(٤).
(٢) المصدر السابق، ص ٢٩٦، ٢٩٧، وقال في الهامش: وهذا نصها من أول الإصحاح الحادي والعشرين وسفر التثنية.
(٣) المصدر السابق، ص ٢٩٧، ٢٩٨.
(٤) المصدر السابق، ص ٣١٢، ٣١٣.