المبحث الثاني: شوائب التفسير في خلق الإنسان (نظرية دارون)
لمحة تاريخية عن النظرية:
…يعود الحديث عن نظرية النشوء والارتقاء إلى قدماء فلاسفة اليونان والإغريق لأنها نظرية وليدة التصور والتخيل(١). وبعد الفتوحات الإسلامية، وترجمة فلسفة اليونان إلى العربية، انتقلت هذه التصورات إلى بلاد المسلمين. وهناك من زعم أن الحسن البصري ألمح أو قال بها(٢). وهناك من قال أن أبا العلاء المعري قد صرح بها(٣)

(١) وجدي، محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، مادة إنسان، ١/٧٠٣، طبعة دار المعرفة، ط٣، بيروت، ١٩٧١م. حيث يقول: "هذا الرأي ليس بحديث فقد قال به بعض الأقدمين من اليونانيين، وأخذه عنهم فلاسفة العرب فزادوه شرحاً وبياناً.
(٢) من التابعين (ت١١٦هـ)، فقد روى الفخر الرازي عنه قوله: "خلق الله تعالى كل الأشياء ما يرى وما لا يرى من دواب البر والبحر في الأيام الستة التي خلق فيها السماوات والأرض، وآخر ما خلق آدم عليه السلام". التفسير الكبير، ٣/٣٥، طبعة طهران، تفسير سورة الإنسان، ولا يخفى أن الحسن البصري قد التزم في مقولته الزمن الذي حدده القرآن الكريم وبينته السنة النبوية الصحيحة كما ورد في صحيح البخاري وهي ستة أيام من الأيام المعهودة، فمقولته بعيدة كل البعد عن واقع نظرية النشوء والارتقاء.
(٣) أبو العلاء المعري: شاعر من معرّة النعمان بالشام. فقد قال جمال الدين الأفغاني أن أبا العلاء قصد النظرية عند قول الأخير:
والذي حارت البرية فيه……حيوان مستحدث من جماد
فقال الأفغاني: "أما مقصد أبي العلاء فظاهر واضح، ليس فيه خفاء، فهو يقصد النشوء والارتقاء، أخذاً بما قاله العلماء العرب قبله بهذا المذهب". انظر المخزومي، محمد باشا، خاطرات جمال الدين الأفغاني، ص١٨٢، ١٨٣. ولا يخفى أن بيت الشعر هذا لا يكفي للدلالة على النظرية حيث يعد البعض هذا البيت من الأحاجي، ويكون جواب اللغز: بيضة الطير. ويسترعي الانتباه قول الأفغاني مذهب مع أنها مجرد نظرية تقوم على التخيل. كما أسندها للعرب وليس لدارون، واستشهد بقول أبي بكر بن بشرون في رسالة لأبي السمح عرضاً في علم الكيمياء: "إن التراب يستحيل نباتاً، والنبات يستحيل حيواناً، وإن أرفع مواليد التراب (ومنه المعادن) النبات، وهي أدنى طبقات الحيوان، سلسلة تنتهي عند الإنسان.. الخ، انظر المخزومي، محمد باشا، خاطرات جمال الدين الأفغاني، ص ١٨٣.


الصفحة التالية
Icon