…وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ (١): "ما يكشف عن وجه واضح من وجوه الإعجاز القرآني.. وانظر في وجه هذه المعجزة، على ضوء ما كشف العلم الحديث، من علم الأحياء، ونظرية النشوء والارتقاء، فإنك ترى عجباً من العجب في نظم القرآن الكريم، وما يحمل هذا النظم من أسرار وغيوب. إن آدم –ونعني به الإنسان- لم يخلق من تراب خلقاً مباشراً، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قبض قبضة من تراب، فقال لها كوني –آدم- أي إنساناً فكانت.. ولو شاء الله سبحانه وتعالى هذا لكان كما شاء وأراد.. ولكنه سبحانه خلق آدم خلقاً متطوراً، كما يخلق الشجرة العظيمة –مثلاً- من بذرة، وكما يخلق الرجل المكتمل من نطفة"(٢). ثم قال: "وكما يقول سبحانه في هذه السورة ﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ (٣). فآدم الذي هو أول إنسان ظهر على هذه الأرض قد كان تراباً.. ثم تخلق من هذا التراب أول جرثومة للحياة، هي أدنى مراتب النبات في عالم الطحالب، ثم تدرجت الأحياء في هذا العالم النباتي إلى مداها، فكان منها النخل الذي هو قمة هذا العالم النباتي، ثم بدأت جرثومة العالم الحيواني في الأميبيا والمحار والإسفنج وذلك في أدنى مراتب هذا العالم نما صُعدا حتى بلغ مداه في فصائل القردة، التي بدت تُطِل من وجهها صورة باهتة للإنسان (آدم) ثم أخذت هذه الصورة تتضح قليلاً قليلاً، وتنضج في بوتقة الزمن على مهل حتى كان اليوم الذي أطل منه وجه (آدم) ممثلاً في إنسان الغاب، وكان هذا الآدم هو باكورة ثمار هذه الشجرة التي امتدت جذورها في أعماق الأرض"(٤).
(٢) التفسير القرآني للقرآن، م٢، ٣/٤٨٠.
(٣) سورة نوح، الآية: ١٧.
(٤) التفسير القرآني للقرآن، م٢، ٣/٤٨٠-٤٨١. وانظر ص ٣٧٦ القصص القرآني في منطوقه ومفهومه، للمؤلف نفسه.