…ولا يخفى على أولي النهى أن هذا الكلام لا علاقة له بتفسير فاتحة سورة النساء، لا لغة ولا شرعاً، وإنما هي خواطر في خيال معالي السفير أراد أن يلبسها ثوب الشرعية. فخطها باسم تفسير الآية. وأطلق عليه تفسيراً علمياً. وهو لم يخرج عن نظرية دارون قيد شعرة. فقرر أن نشأة الإنسان كانت نشأة جرثومية على هذه الأرض وأن تفاصيل خلق السماوات والأرض والإنسان والكائنات الحية متروكة لرجال الفكر والبحث، بغض النظر عن عقائدهم، وجعل المسلم يبحث ويتابع هذه القضية الغيبية من خارج النصوص، بل يلهث وراء من لا يؤمنون بالغيب ليعرف منهم قضية غيبية.
٥- د. مصطفى محمود في تفسير قصة الخلق:
…قال: "أعود إلى الحياة.. وإلى مبدئها، والتقط دارون أبا التطور ليروي لنا رؤيته عن مسيرة الحياة، وهي الرؤية التي غيرت فكر الدنيا"(١). وتحدث عن رحلة دارون، وعن اسم الباخرة التي استقلها لجمع العينات البحرية، ثم تحدث عن العينات البرية والبحرية وملاحظاته، وكأنها قرآن يتلى لا يحتمل النقض. وجعل أصل الحكاية أن الحيوانات أصلها واحد، ثم تطور هذا الأصل، وتباين واختلف إلى هذه الفصائل المتباينة بسبب تباين الظروف والبيئات(٢). ثم جعل من علم التشريح شاهداً ودليلاً على ملاحظاته، مع أنها ظنون لا ترقى لأكثر من احتمالات. ومن كبرى الظواهر عنده قوله: "والمشروط وهو يعبث خلف الأذن البشرية يكتشف شيئاً آخر، فها هي ذي نفس عضلات الأذن التي كانت تحرك آذان أجدادنا الحمير وقد تليفت وضمرت حينما لم تعد لها وظيفة، وحينما اتخذت آذاننا أشكالاً تغنيها عن الحركة(٣).

(١) القرآن محاولة لفهم عصري، د. محمود، مصطفى، ص ٥٢. وله كتابان في الموضوع نفسه هما: لغز الموت ولغز الحياة.
(٢) المصدر السابق، ص ٥٣.
(٣) المصدر السابق، ص ٥٦.


الصفحة التالية
Icon