و- وفي الأحاديث الواردة في صحيح البخاري غنية للدلالة على اجتماع الصحابة رضوان الله عليهم في تحريم ربا الفضل بنص الحديث. وأن الذي قال به منهم فترة من الزمن لم يكن قد بلغه حديث أبي سعيد الخدري. وقد أكدّ أنه سمعه بنفسه من رسول الله - ﷺ -. ومن سمع حجة على من لم يسمع. وعليه فلا وجه للقول أن الصحابة قد اختلفوا في ذلك كما زعم الشيخ رشيد.
…قال السرخسي في المبسوط: "فأما الحكم ففي الحديث حكمان –حديث الذهب بالذهب- حرمة النساء في هذه الأموال عند المبايعة بجنسها وهو متفق عليه. وحرمة التفاضل وهو قول الجمهور من الصحابة - رضي الله عنهم - إلا البتي –يعني عثمان البتي- روى عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه كان يجوز التفاضل في هذه الأموال ولا معتبر بهذا القول فإن الصحابة - رضي الله عنهم - لم يسوغوا له هذا الاجتهاد على ما روي أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - مشى إليه فقال: يا ابن عباس إلى متى تؤكل الناس الربا. أصحبت رسول الله - ﷺ - ما لم يصحب، أسمعت منه ما لم يسمع. فقال: لا. ولكن حدثني أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: (لا ربا إلا في النسيئة) فقال: "والله لا آواني وإياك ظل بيت ما دمت على هذا القول". وقال جابر بن زيد - رضي الله عنه -: "ما خرج ابن عباس - رضي الله عنه - من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة. فإن لم يثبت رجوعه فإجماع التابعين رحمهم الله بعده يرفع قوله فهذا معنى قولنا لا يعتد بهذا القول"(١).