…والحكمة هي قصد الشارع من تشريع الحكم، وليست قصد الشيطان، فلا يجوز بحال من الأحوال التشبث بها لجعلها علة شرعية. مع أنه من المعروف بداهة في علم الأصول أن الحكمة قد تتحقق، وقد لا تتحقق، ويبقى الحكم كما هو سواء في التحريم أو الفروض أو المندوبات. وسوق الحكمة خبر من الأخبار التي يسوقها الله تعالى في بعض الأحكام ليضبط الإنسان أعماله المتعلقة بتلك الحكمة إن كان ذلك ممكناً. فالحكمة من الصلاة مثلاً أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ﴾ (١) ولا أحد من فقهاء المسلمين يقول إن المصلي الذي يسرق أو يختلس النظرات المحرمة من النساء، أو يغش في معاملة، أو نحو ذلك، لم يقل أحد من الفقهاء إن صلاته باطلة لأنَّ الحكمة من الصلاة لم تتحقق. بل قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ (٢). وكذلك الحاج الذي يؤدي مناسك الحاج ولا ينتفع بمنافع مادية بعد إقامة الشعائر لم يقل أحد من الفقهاء إن حجه ليس مبروراً لأنه لم يحقق الحكمة من الحج الواردة في الآية الكريمة ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ (٣). وعليه فسواء تحقق هدف الشيطان في المقامرين والسكارى من إثارة العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة أم لم يتحقق فلا شأن له برفع الحرمة والإثم عنهما. وسواء أكانوا متحابين متآلفين، أم صاروا أعداء يحملون في قلوبهم الشحناء، فإن الخمر والميسر تبقى محرمة بالمؤكدات الأربع عشرة المذكورة.

(١) سورة العنكبوت، آية ٤٥.
(٢) سورة هود، آية ١١٤.
(٣) سورة الحج، آية ٢٨.


الصفحة التالية
Icon