…ما ادعاه أنه زعمٌ هو حقيقة في فهم الشرع فالحرام لا قيمة لأي منفعة فيه في نظر الإسلام، بل لا تسمى منفعة لأن المنافع والمصالح تكمن فيما حدده الشرع من فروض أو مندوبات، فحيثما يكون الشرع تكون المصلحة والفائدة، وحيثما يكون الحرام تنتفي المنافع والفوائد. والآية التي استشهد بها لم تكن تحمل التحريم أبدا. وكذلك آية ﴿ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾ (١) لم يفهم منها الرسول - ﷺ - ولا الصحابة الكرام أنها تدل على التحريم. فالاستنباط منها على المنافع والمضار استنباط خاطئ. وهو مفهوم أهل الجاهلية الذي كانوا عليه. وعندما نزلت آيات المائدة وتقرر تحريمها أراقوا الخمر التي كانت مخزونة عند المسلمين في المدينة حتى قيل سالت أزقة المدينة منها. وهذا يدل على فهم الصحابة رضوان الله عليهم أن الله سلب الخمر منافعها حين حرمها. ويحرم بيعها، ويحرم الاستفادة منها. كما مر في البند رقم سبعة الحديث الذي رواه البخاري ولو أهدر مسلم خمارة بكاملها لمسلم فإنه لا يضمن شيئاً منها لأنه لا يتلف مالاً بخلاف ما لو أتلف زجاجة خمر واحدة لغير المسلم في منزله فإنه يضمن ثمنها كاملاً لأنها مال في حق غير المسلم. ومثله الخنزير وثمن الكلب وحلوان الكاهن، وثمن البغاء والأصنام وثمن الميتة وسائر المحرمات لا تعد مالاً في حق المسلمين. وجعل العقل دليلاً على الأحكام الشرعية ليس له محل في الإسلام. وبناء الحكم الشرعي على مصلحة لم يقرها الشرع هو تحكيم للعقل المجرد وهو من الشوائب. ومثله يقال عن الحس الذي ينبذ أي حكم شرعي سواء أكان حٍسَّ منافق أو حس كافر أو حس فاسق، فالحس والوجدان لا تقبل في الحل ولا في الحرمة. وهي من الشوائب.