…وقال قال تعالى في آية أخرى من هذه السورة ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ (١) وقد يحمل هذا على العدل في ميل القلب ولولا ذلك لكان مجموع الآيتين منتجا عدم جواز التعدد بوجه ما، ولما كان يظهر وجه قوله بعدما تقدم من الآية ﴿ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ (٢). ثم قال: "فمن تأمل الآيتين علم أن إباحة تعدد الزوجات في الإسلام أمر مضيق فيه أشد التضييق كأنه ضرورة من الضرورات التي تباح لمحتاجها بشرط الثقة بإقامة العدل والأمن من الجور. وإذا تأمل المتأمل مع هذا التضييق ما يترتب على التعدد في هذا الزمان من المفاسد جزم بأنه لا يمكن لأحد أن يربي أمة فشا فيها تعدد الزوجات فإن البيت الذي فيه زوجتان لزوج واحد لا تستقيم له حال ولا يقوم فيه نظام، بل يتعاون الرجل مع زوجاته على إفساد البيت كأن كل واحد منهم عدو للآخر ثم يجيء الأولاد بعضهم لبعض عدو، فمفسدة تعدد الزوجات تنتقل من الأفراد إلى البيوت، ومن البيوت إلى الأمة. (قال) كان للتعدد في صدر الإسلام فوائد أهمها صلة النسب والصهر الذي تقوى به العصبية. ولم يكن له من الضرر مثل ما له الآن لأن الدين كان متمكناً في نفوس النساء والرجال وكان أذى الضرة لا يتجاوز حزنها. أما اليوم فإن الضرر ينتقل من كل ضرة إلى ولدها، إلى والده، إلى سائر أقاربه فهي تغري بينهم العداوة والبغضاء: تغري ولدها بعداوة إخوته، وتغري زوجها بهضم حقوق ولده من غيرها. وهو بحماقته يطيع أحب نسائه إليه فيدب الفساد في العائلة كلها ولو شئت تفصيل الرزايا والمصائب المتولدة من تعدد الزوجات لأتيت بما تقشعر منه جلود المؤمنين فمنها السرقة والزنا والكذب والخيانة والجبن والتزوير بل منها القتل حتى قتل الولد والده، والوالد ولده، والزوجة زوجها، والزوج زوجته. كل ذلك واقع ثابت
(٢) الآية السابقة نفسها.