…وجملة الاعتراض في قوله: ﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ وكرر الشرط بقوله ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ﴾ لما طال الكلام بالاعتراض. فأعيدت الجملة وصار المعنى على هذا التقدير: إن لم تستطيعوا أن تعدلوا فانكحوا واحدة. قال وقد ثبت أنهم لا يستطيعون العدل بقوله: ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ (١). انتهى هذا القول وهو منسوب إلى أبي علي، ولعله لا يصح عنه، فإن أبا علي كان من علم النحو بمثابة، وهذا القول فيه إفساد نظم القرآن التركيبي، وبطلان للأحكام الشرعية لأنه إذا أُنتج من الآيتين هذه، وقوله ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ ﴾ بما نتج من الدلالة اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوج غير واحدة أو يتسرى بما ملكت يمينه، ويبقى هذا الفصل بالاعتراض بين الشرط وبين جوابه لغواً لا فائدة له على زعمه. والعدل المنفي استطاعته غير هذا القول المنفي هنا، ذلك عدل في ميل القلب وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان، وهذا عدل في القسم والنفقة، ولذلك نفيت هناك استطاعته، وعلق هنا على خوف انتفائه لأن الخوف فيه رجاء وظن غالباً"(٢).
…وقال ابن العربي في أحكام القرآن في المسألة الثالثة: "دليل الخطاب وإن اختلف العلماء في القول به، فإن دليل خطاب هذه الآية ساقط بالإجماع، فإن كل من علم أنه يُقسط لليتيمة جاز له أن يتزوج سواها، كما يجوز ذلك له إذا خاف ألا يقسط"(٣).

(١) سورة النساء، آية ١٢٩.
(٢) تفسير البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، ٣/١٦٤.
(٣) ابن العربي، أحكام القرآن، ١/٣١٠، طبعة دار الجيل، بيروت، ١٩٨٨م.


الصفحة التالية
Icon