…قال: "إن القرآن الكريم يحرم بتاتاً تعدد الزوجات، فقوله تعالى ﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ ليس المقصود منه إباحة أكثر من واحدة، بل قصد منه تحريم ذلك بتاتاً. وكل ما في الأمر أن صيغة التحريم وردت على عادة القرآن في الاستدراج والتلطف فالآية واضح لكل متذوق أنه هزؤٌ وسخرية ممن يريد تعدد الزوجات لأن المولى سبحانه وتعالى أردفها بقوله ﴿ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً ﴾ وقوله في موضع آخر ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ (١)، و ]لن[ كما يقرر النحاة هي أشد أدوات النفي للمستقبل إذ تنفيه نفياً باتاً، فالقرآن يسجل بصريح العبارة أن الاستطاعة مستحيلة، أي أن العلة المتوهمة للتصريح بالتعدد لن تتحقق، والمقرر عند الفقهاء من عقليين وحرفيين إنه متى زالت العلة زال المعلول"(٢).
…وقال في مجلة الثقافة: "إن ﴿ ما ﴾ في قوله تعالى: ﴿ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ﴾ من أقوى ما يكون في إفادة العموم، وهي نكرة بمعنى (أي شيء) أي امرأة أو مجموعة من النساء –أي لا مفهوم للتحديد بأربع- وإن القرآن استعمل
﴿ طاب ﴾ ولم يستعمل كلمة (حلَّ) لأن الطائب قد يكون حلالاً وقد يكون حراماً. وإن القول بدلالة الآية على حكم تحديد التعدد بأربع يؤول بنا إلى منكرة ذلك أن ﴿ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ معناها: اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، أي أن الرجل يأتي لامرأتين فيتزوجهما ثم إلى ثلاث. واتهم الفقهاء بأنهم سايروا واقع التعدد الذي فشا بعد الصدر الأول من أجل الجنود في الحرب فاضطروا أن يوجدوا لها سنداً من القرآن"(٣).

(١) سورة النساء، آية ١٢٩.
(٢) اتجاهات التفسير في العصر الحديث، ١/١١٤-١١٥.
(٣) اتجاهات التفسير في العصر الحديث، ١/١١٥.


الصفحة التالية
Icon