الضابط الثالث: القصص يقبل منه في التفسير ما ثبت بالقرآن والسنة الصحيحة.
…القصص القرآني آي من القرآن، لا يختلف شأنه عن آي العقيدة، أو آي الأحكام، فكلها كلام رب العالمين يتعبد بتلاوتها، وجاءت للهداية، ولها قدسيتها في القراءة والفهم والتفسير والحفظ، واحترام الصحائف التي يسجل عليها، فكلها نصوص من الإله. وسبيل فهمهما واحد وهو اللغة التي حملته إلينا، والوحي الذي جاء به ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ (١)، والتاريخ وأسفار أهل الأديان لا تصلح أن تكون قاضية على كتاب الله – تعالى – لأنها غير موثوقة الأسانيد، وغير صحيحة المتون، واعتراها التناقض والتعارض البشري، ولأن موضوع البحث في التفسير هو نصوص شرعية يراد فهمها وبيان معانيها لا مجرد نصوص سيقت للتسلية. أو يراد بحث عن مصادر أوسع لبيان ما أبهمته هذه القصص، ولم يأمرنا رسول الله - ﷺ - بالرجوع إلى التوراة والإنجيل، بل غضب عندما رأى نسخة منها في يد عمر ابن الخطاب.
…والقرآن الكريم جاء ليفصل بين أهل الكتاب أنفسهم فيما هم فيه يختلفون من الأخبار، فكيف نثق بمصادرهم لتبيّن آيات القرآن؟ وفاقد الشيء لا يعطيه بداهة. قال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ (٢).
…وإذا شهد القرآن بأنهم حرفوا أسفارهم بعدما عقلوها، وامتدت إليها أيديهم بالإضافة إلى نسيان بعضها، وهم الموكول إليهم حفظها وصونها، فهل من المقبول أن نجعل من هذا شأنه شاهداً على ما تكفل الله بحفظه وصونه لفظاً ومعنى إلى يوم القيامة؟!
…هذا ولقد جاءت شريعة القرآن ناسخة لأديان أهل الكتاب فلا يكون الملغى والمنسوخ شارحاً للناسخ والمهيمن.
(٢) سورة النمل، الآية: ٧٦.