…وأما ما أبهمه القرآن الكريم في مواضع القصص فإنه يعد كمالاً وتماماً بمقياس الشرع، فهو علم لا ينفع وجهل لا يضر. فقد تحسّر عليه اليهود أن يكون لهم حظ منه ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ (١). حيث قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤون آية لو أنزلت فينا لاتخذناها عيداً(٢). فاللهث وراء ما أبهم القرآن في موضوع القصص قد يفضي إلى فساد في العقيدة والاتباع وبخاصة عند من يبحثون عليه في قراطيس مترجمة وصفها القرآن بالتحريف والتبديل والنسيان. وعليه فإن تفسير القصص القرآني يؤخذ من القرآن نفسه أو من حديث صحيح السند والمتن. ولا يصح أن نتعدى هذين المصدرين حتى نتقي غوائل كتب التاريخ وأسفار التوارة والإنجيل.
الضابط الرابع: أن يكون التفسير مطابقاً للمفسَّر(٣).
…قال الزركشي: "ويجب أن يتحرى في التفسير مطابقة المفسَّر، وأن يتحرز في ذلك من نقص المفسِّر عما يحتاج إليه من إيضاح المعنى المفسَّر. أو أن يكون في ذلك المعنى زيادة لا تليق بالغرض، أو أن يكون في المفسِّر زيغ عن المعنى المفسَّر، وعدول عن طريقه، حتى يكون غير مناسب له ولو من بعض أنحائه. بل يجتهد في أن يكون وفقه من جميع الأنحاء. وعليه بمراعاة الوضع الحقيقي والمجازي، ومراعاة التأليف، وأن يوافي بين المفردات وتلميح الوقائع. فعند ذلك تتفجر له ينابيع الفوائد"(٤).

(١) سورة المائدة، الآية: ٣.
(٢) انظر الطبري، التفسير، ٢/٨٢.
(٣) انظر: الزركشي، البرهان، ٢/١٧٦، وانظر: السيوطي، الإتقان، ٤/١٩٨، فصل فيما يجب على المفسر، طبعة المكتبة العصرية.
(٤) الزركشي، البرهان، ٢/١٧٦.


الصفحة التالية
Icon