شوائب التفسير في القرون الثلاثة الأولى
…إن المعارف الإسلامية كانت مختلطة بُعيد تمام نزول القرآن، ولا يوجد تمييز بينها، وكانت كلها أجزاء من علم الحديث، وكانت محفوظة في الصدور دون السطور، ثم صارت العلوم تنمو وتنضج، وتتضح صورتها، وتظهر سماتها وقسماتها، فأخذت تستقر تدريجياً بعيد التدوين، وتستقل عن بعضها. فاستقل التفسير عن الحديث وصار علماً قائماً بذاته في الصدور والسطور. روى ابن النديم في كتابه الفهرست قال: "إن عمر بن بكير كتب إلى الفراء أن الأمير الحسن ابن سهل(١) ربما سألني عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرني فيه جواب، فإن رأيت أن تجمع لي أصولاً أو تجعل في ذلك كتاباً أرجع إليه يوماً، فلما حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن ويقرأ بالناس في الصلاة، فالتفت إليه الفراء فقال له: اقرأ بفاتحة الكتاب ففسرها، ثم قرأ في الكتاب كله يقرأ الرجل ويفسر الفراء، فقال أبو العباس: لم يعمل أحد قبله مثله ولا أحسب أن أحداً يزيد عليه"(٢). ولا نستطيع الجزم بأن الفراء لم يكن مسبوقاً في تحرير تفسير كامل، فهناك روايات عن ابن عباس تدل على أنه قد كتب تفسيراً بإملائه عن مجاهد(٣). وتفسير الطبري يعد موسوعة ضمت ما اندرس من تفاسير الصحابة والتابعين منهم: ابن عباس وسعيد بن جبير، وقتادة،
(٢) ابن النديم، الفهرست، ص٧٣، تحقيق رضا تجدد المازدراني، طبعة طهران ١٣٩١هـ-١٩٧١م، أورد هذه الفقرة تحت عنوان أخبار الفراء أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، وذكر المحقق أن في طبعة فلوجل: "ففسرها ثم نوفي الكتاب كله فيقرأه الرجل ويفسر الفراء".
(٣) انظر مقدمة تفسير الطبري، ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محموداً علمه بالتفسير، ومن كان منهم مذموماً علمه بذلك، ١/٤٠، ط٣، ١٣٨٨هـ-١٩٦٨م. طبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر.