…وكان اتصال الأمة الإسلامية في شتى أنحاء العالم بدول الغرب المتقدم مادياً أوجد إحساساً بالعجز، وشوقاً إلى نهضة جديدة مما دفع العلماء، وبخاصة المفسرين، إلى تلقف الثقافة الغربية، والطرق الغربية للنهضة فهرعوا إلى تفسير القرآن لعلهم يجدون ضالتهم المنشودة.
…وغالى بعض من انبهر بالتقدم العلمي الذي توصل إليه الغرب فتبنى النظريات العلمية والاختراعات والصناعات. وأخذ يبحث لها عن دليل في القرآن الكريم، فأوّل النصوص حتى أظهر القرآن بأنه كتاب علوم دنيوية لا كتاب تشريع سماوي. وهذا استدعاني للتنقيب في هذه التفاسير للوقوف على الأفكار التي حوتها.
…وقد ساهم انتشار المطابع في إيجاد كمٍّ هائل من التفاسير لتأييد كل فريق رأيه، كما ساهمت في إظهار التراث التفسيري السابق. فكان هذا مدعاة للموازنة بين التفاسير القديمة والمعاصرة، وإظهار وجه الحق فيها. وبيان مدى ارتباط الشوائب الراهنة بالقديمة.
…ولقد نحا المفسرون منذ نهاية القرن الثالث عشر الهجري مناحي جديدة في تفسير القرآن، وسلكوا طرقاً لم تكن مألوفة سابقاً منها: الطريقة العصرية، والطريقة الأدبية، والطريقة العلمية، وطريقة التفسير الموضوعي، وتفسير القرآن حسب نزوله، فظهرت تفاسير متعددة الاتجاهات والمناهج تطبيقاً لهذه الطرق. وكثر حولها اللغط، ولم تحظ هذه التفاسير بالدراسة الواعية الكافية مما حفزني لإلقاء الضوء فيها، وتحديد ما أدخلته على تراثنا التفسيري مما ليس من جنسه.
…كما لوحظ أن هناك من تربع على أريكة التفسير وهو لا يملك عدته، ونادى بالاجتهاد بلا ضوابط ولا حدود. فتجرأ على تفسير كلام الله – تعالى – بما لا تحتمله نصوص الآيات من لا يرجون لدين الله وقاراً. وحرّفت بذلك المفاهيم الإسلامية، وتشوهت صورة الإسلام مما دعاني للبحث لمزايلة هذه الشوائب الدخيلة عن تفسير كلام رب العالمين.