…فقد رد حديث: (ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخاً) (١) وقال الله أعلم بصحته فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما كانا معصومين واستهلاله صارخاً من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه. وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخاً وعياطاً مما يبلونه من نخسه(٢).
…ورغم أن الحديث متفق عليه إلا أن الزمخشري يتشكك في صحته ليس من باب السند، بل لأنه يعارض عقله الحر الذي يجعله صاحب السيادة له الحكم على الشرع(٣). ومثل ذلك رد أحاديث رؤية الله –تعالى- في الآخرة، وأحاديث انشقاق القمر وغيرها متذرعاً بحجة بلاغية لتقرير عقيدته الاعتزالية.
(١) متفق عليه حديث ٤٢٦٨، باب بدء الخلق، صحيح البخاري، وانظر صحيح مسلم حديث ٢٣٦٦ الفضائل.
(٢) ١/٤٢٦، تفسير الكشاف، عمر محمود، الزمخشري، طبعة مصطفى البابي الحلبي، ١٣٨٥هـ-١٩٦٦م، ١/١٨٦-١٨٧، طبعة دار المعرفة الجديدة، بيروت.
(٣) قال الزمخشري: "إمش في دينك تحت راية السلطان (الحجة)، ولا تقنع بالرواية عن فلان وفلان، فما الأسد المحتجب في عرينه أعز من الرجل المحتج على قرينه، وما العنز الجرباء تحت الشَّمْألِ البليل أذل من المقلّد عند صاحب الدليل، ومن تبع في أصول الدين تقليده فقد ضيّع وراء الباب المرتْج إقليده". المرتج: المغلق، إقليده: مفتاحه. المقالة ٣٧، ص ٤٢، ٤٤، أطواق الذهب في المواعظ والخطب، أبو القاسم، محمود ابن عمر الزمخشري (ت٥٣٨هـ)، بشرح يوسف أفندي الأسير: قلائد الأدب في شرح أطواق الذهب. مطبعة عبد الحميد أحمد حنفي، القاهرة، من المشهد الحسيني رقم ١٨.
(٢) ١/٤٢٦، تفسير الكشاف، عمر محمود، الزمخشري، طبعة مصطفى البابي الحلبي، ١٣٨٥هـ-١٩٦٦م، ١/١٨٦-١٨٧، طبعة دار المعرفة الجديدة، بيروت.
(٣) قال الزمخشري: "إمش في دينك تحت راية السلطان (الحجة)، ولا تقنع بالرواية عن فلان وفلان، فما الأسد المحتجب في عرينه أعز من الرجل المحتج على قرينه، وما العنز الجرباء تحت الشَّمْألِ البليل أذل من المقلّد عند صاحب الدليل، ومن تبع في أصول الدين تقليده فقد ضيّع وراء الباب المرتْج إقليده". المرتج: المغلق، إقليده: مفتاحه. المقالة ٣٧، ص ٤٢، ٤٤، أطواق الذهب في المواعظ والخطب، أبو القاسم، محمود ابن عمر الزمخشري (ت٥٣٨هـ)، بشرح يوسف أفندي الأسير: قلائد الأدب في شرح أطواق الذهب. مطبعة عبد الحميد أحمد حنفي، القاهرة، من المشهد الحسيني رقم ١٨.