…وقد ذهب إلى مخالفة المتواتر من ترتيب الآيات في السور تحت مظلة مدح القرآن بالجرس الموسيقي. فقال في تفسير فاتحة سورة النور: "نقول – والله أعلم – إن بدء السورة في الحقيقة هو قوله تعالى في الآية الثانية ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ﴾ فقوله تعالى ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ هو أشبه بالموسيقى التي تتقدم موكب المجاهدين في سبيل الله، المتجهين إلى غزو مواقع الكفر والضلال. إذ أن الآيات التي جاءت بعد هذا المطلع، هي في الواقع أقرب شيء إلى أن تكون بعثاً من جند السماء، يحمل الهدى والنور إلى المواطن المظلمة من المجتمع الإسلامي، فيبدو ظلامها، ويكشف للأبصار والبصائر الطريق المستقيم إلى مرضاة الله"(١).
…وقال عن الأحرف التي افتتحت بها بعض السور: "فإن مجيء هذه الأحرف المقطعة في بعض سور القرآن، وفي مفتتح السور التي جاءت فيها – إن هذا أشبه "بالوحدة" التي يقوم عليها اللحن الموسيقي، والتي يسري صداها في اللحن كله، من أوله إلى آخره، وإن تعددت أنغامه، وخفتت أو علت أصداؤه..! فليس من الضروري إذن أن يجتهد في البحث عن معنى لهذه الأحرف المقطعة، ولنا أن نحسبها مطلعاً موسيقياً تقوم عليه وحدة النغم في ترتيل آيات السور التي بدئت بحرف أو حرفين أو أكثر"(٢).
(٢) المصدر السابق، م١، ١/٢٥ تفسير سورة البقرة.