…وفي هذا القدر كفاية من النقول التي حررها يراع الشيخ محمد رشيد رضا في مسألة الصور والتماثيل لذي روح، وهي نظرة مقياسها ما نادى به ميكافلي وهو: المنفعة. وليس الحلال والحرام حسب مقياس المسلمين – والاستنباط من العقل وليس الشرع المتمثل بالكتاب والسنة، ولا يخفى أسلوبه في اللف والدوران في الإجابة عما افترضه من سؤال. وهو يحفظ الحديث الصحيح، ويخترع عللاً وحكماً من عقله حتى يخرج النصوص عن مدلولاتها باسم التأويل الذي لا يعني في مثل هذه الحالة إلا التحريف، فالإسلام عندما حرم رسم ذي روح لم يحرمها لعلة لا للهو ولا للتبرك.
…ثم ارجع البصر في أسلوبه الشيطاني في ارتكاب المعاصي في مكان فيه صور لأن جبريل عليه السلام لا يدخل بيتاً فيه كلب أو صورة كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
…ثم أجل النظر في فتواه: أن الشريعة الإسلامية أبعد من أن تحرم هذه الوسائل النافعة. وهكذا يكون مؤسس الشوائب في التفسير في القرن الرابع عشر الهجري يوجه همه لتسويغ الشوائب للأتباع، ولاختلاق شبه لهم يصيرها أدلة تحل الحرام، وتحرم الحلال.
فن النحت والرسم وصنع التماثيل في التفسير القرآني للقرآن:
…قال د. عبد الكريم الخطيب عند تفسير قوله تعالى ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ (١)" وهنا ملحظ لا بد منه، وهو أن الله سبحانه وتعالى قد كان من نعمه على سليمان أن سخر له الجن لتعمل له فيما تعمل –تماثيل- منحوتة من صخر، أو منجورة من خشب، أو مصبوبة من حديد ونحاس. وهذا يعني أن صناعة التماثيل ليست مما يقع في دائرة التحريم، أو الكراهة، وإلا لكان نبي الله سليمان أبعد الناس عن ملابسة هذه الصناعة والانتفاع بها.

(١) سورة سبأ، آية ١٣.


الصفحة التالية
Icon