إن النسخ وقع في جميع الشرائع الإلهية والوضعية ولا جدوى من إنكاره غير خلق بلبلة في صفوف المسلمين. ونتساءل ما الهدف من وراء مخالفة هذه المصطلحات الكبرى؟ ومن تخدم؟
ليس من اللازم في معرفة النسخ أن يكون مشفوعاً بالحكمة من النسخ، لأن النصوص الشرعية يستمد منها سيادة الشرع على الخلق، وما العقل إلا مقود ومحكوم بتلك النصوص.
لقد وقع بالفعل نسخ أحكام في القرآن بآيات من القرآن ومنها ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ﴾ (١). فكان الغرض أن يثبت المجاهد المسلم أمام عشرة من الكفار ثم نسخ بفرضية ثبات المجاهد المسلم أمام اثنين فقط من الكفار بقوله تعالى في الآية التي تلتها ﴿ الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ﴾ (٢). وأما نسخ التلاوة فلم يرد منه شيء ولم يثبت حديث صحيح واحد في الموضوع. فضلاً عن أن المسألة تتعلق بالقطعي ولا يتم النسخ إلا بقطعي مثله. والسنة لا تنسخ القرآن حتى لو كانت متواترة. وتفصيل ذلك في كتب الأصول. ومن هنا ندرك شوائب التفسير في مسألة النسخ وإنها لم تعتمد على أدلة بل اعتمدت على العقل الحر.

(١) سورة الأنفال، آية ٦٥.
(٢) سورة الأنفال، آية ٦٦.


الصفحة التالية
Icon