من يقرأ المقالة بكاملها ويعرف من وراء المشروع يدرك أنه مشروع مريب سواء أكان من حيث الدعاة إليه، أو من حيث مآلات المشروع نفسه وهو إبعاد المسلمين في المستقبل عن فهم الكتاب والسنة، ولذلك اقترح أحمد مختار باشا أن يصدر الاقتراح من تحت العمة لا من تحت الطربوش، فصدر من تحت عمة الشيخ محمد رشيد رضا، وقد أشرت في الهامش قبل قليل إلى أصحاب الفكرة.
إن تغيير الحروف على أي شكل كان مفسدة أيما مفسدة لأننا نفتقد الآلة التي تعيننا على فهم كتاب ربنا، وتقضي على علومنا السابقة اللغوية والشرعية فتظهر الفائدة التي يخطط لها أصحاب المشروع. ومن هنا نشك ونرتاب فيما ادعاه الشيخ محمد الخضر حسين عندما عد إدخال اللغة في علم الأصول فضولاً فهو يبيح انعدام هذه العلوم لتسمية الثوب فرساً، والفرس ثوباً(١).
إن ما زعمه الشيخ رشيد من عيب في اللغة من حيث تشابه الحروف هو مجرد ثرثرة كلام وطيش أقلام فيمكن أن يقال عن الأحرف التي اقترحها، ويمكن أن يقال عن أي لغة في الدنيا، فهو يعمد إلى الثوابت ليزعزعها، ويخلخل أركانها وقد لمسنا ذلك منه في العقيدة وفروعها، وفي الأحكام القطعية جميعها، حتى وصل به المقام للغة التي تحمل هذا المبدأ فحاول هدمها، والله هو المتعهد بحفظ هذا الدين من حيث رسمه ولغته ونعم المولى ونعم النصير.
إن ما زعمه محاسن وفوائد تجنى عند تغيير الخط العربي هي في واقعها منكوسة فأول خسارة هي خسارة الدين بعقيدته ونظام حياته، وثانيها خسارة في لغة التخاطب، وثالثها: تمكين الكافر المستعمر منا بل زيادة قبضته علينا، ولن تقوم لنا بعد ذلك قائمة.
…وأكتفي بهذه الردود آملاً أن يكون هذا البحث مدعاة لمن يجعله نواة لبحث كبير يكشف خطوط المؤامرة على لغة الإسلام من جميع جوانبها ويكفينا شرها. وشر الشوائب المستطيرة المتصلة بها. والله يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل.

(١) انظر مجلة المنار، م١٣، ٣/١٠٥. أطوار اللغة العربية بقلم الشيخ محمد الخضر حسين.


الصفحة التالية
Icon