…إن العقوبات وبخاصة الحدود في الدنيا، والعذاب في الآخرة، جاءت الأدلة القطعية في ثبوتها وفي دلالتها مما لا يجعلها تدخل في دائرة الظن الذي يحتمل الاجتهاد، وهي متواترة عند المسلمين، ومن الثوابت التي لا تتزعزع، فهي عقيدة راسخة ومعلومة من الدين بالضرورة يعلمها المؤمنون والكافرون على سواء مع فارق الإيمان بها، والكفر بها عند أعداء الدين. والعذاب في الآخرة حسي وليس معنوياً كما جاءت به النصوص على سبيل الحقيقة والواقع وليس على سبيل التمثيل والاستعارة. هذا ما يؤمن به المسلمون إيماناً جازماً لا يتطرق إليه أي ارتياب. وما أدركناه من عبارات تفسير المنار يغاير هذا المفهوم فيعد من الشوائب. وخطورته تكمن في أنه يعد المؤسس لهذه الشوائب لمن التحقوا في مدرسته العقلية الحديثة كما يسمونهم. ولا يقل سوءاً في الشوائب أن يعتقد أن الأمة الإسلامية على باطل وهم أهل فساد على عكس الأوروبيين المستعمرين فهم على الحق وهم أهل الصلاح.
الشيخ طنطاوي جوهري ومفهومه للعقوبة:
…قال: "والمقصد من هذا أن تعذيب الأجسام سواء أكان في الدنيا أم في الآخرة يقصد منه تهذيب النفوس"(١). وقال: فحكومات الآخرة والدنيا على طراز واحد. فالحكومة الفاضلة العادلة هكذا تفعل، وحكومات الله المستقبلية هكذا فعلها، ولا يقصد منها كلها إلا تهذيب النفوس. فإذا قام المسلمون وهذبوا النفوس بالعلم والعرفان قام التهذيب مقام التعذيب، والتعلم مقام الإيلام، والحكمة مقام المحكمة. والعلم مقام الألم"(٢).
…ويرى طنطاوي جوهري أن الأخلاق تلازم الروح بعد فراق الجسد وتتمنى لو تخلص من الأخلاق التي لازمتها، والأحوال التي لصقت بها(٣). وقد أشار إلى أن الحد يسقط بالتوبة عند بعض العلماء(٤).
(٢) المصدر السابق نفسه.
(٣) المصدر السابق نفسه.
(٤) جوهري، طنطاوي، الجواهر في تفسير القرآن، م٢، ٤/١٣٠.