…فالنظم الذي جاءت عليه هذه الآيات، مستغن بنفسه عن أن يحمل كلماته ما تحمل اللغة من دلالات ومفاهيم متعارفة بين أهلها، وحسبه أن يفعل بنغمة الموسيقى ما لا تفعل أروع الألحان الموسيقية من روْح وانتشاء! فكيف إذا حمل هذا النغم مع ذلك أدق وأصدق وأحكم ما تحمل الكلمات من معنى"(١). وقال: "ثم انظر كيف كانت كلمة الرحمن التي بدئت بها السورة، هي الميزان الذي تجري أحكامه على آيات السورة كلها، وتنضبط عليها أنغامها، وتتألف منه وحدة اللحن كله.. فيكون أشبه (بالرتم) الذي يمسك باللحن الموسيقى من مطلعه إلى نهايته!!"(٢). وقال: "إن لعلماء الموسيقى مجالاً فسيحاً للدراسة والإفادة من هذا النظم الذي تمثل كل آية فيه جملة موسيقية. تختلف طولاً وقصراً، وتأتلف مطلقاً – قراراً"(٣). ثم قال: "أما عند الموسيقي فإنه يجد نفسه، وهو يتلو هذه الآيات إنما يتلقى درساً علوياً من ينابيع الموسيقى السماوية فيستفتح اللحن بكلمة (الرحمن) فيعطيها كل ما يمتليء به صدره من أنفاس الحياة، ثم يعود فيوزع أنفاسه بين كلمتين كلمتين، ثم بين ثلاث ثلاث، ثم بين أربع أربع، ثم بين ست كلمات، هي آخر ما يمكن أن يمتد إليه النفس غالباً، ثم يعود ليلتقط أنفاسه، فيوزعها بين ثلاث كلمات.. ثم يأخذ نفسه مرة أخرى ليوزعه إلى خمس كلمات، فتلقاه الآية التي ستكرر على امتداد السورة ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ وهي أربع كلمات، هي وسط بين الثلاث والخمس !! هذا قليل من كثير لا نهاية له مما يجده الناظر في نظم هذا المقطع الذي بدئت به السورة والذي جاءت عليه السورة كلها"(٤).
وقال في تفسير سورة المسد:

(١) د. الخطيب، عبد الكريم محمود، التفسير القرآني للقرآن، م٢٧، ١٤/٦٥٢.
(٢) المصدر السابق، ص ٦٥٣.
(٣) د. الخطيب، عبد الكريم محمود، التفسير القرآني للقرآن، م١٤، ٢٧/٦٥٥.
(٤) المصدر السابق، ص ٦٥٦، وانظر ما قاله في تفسير الآية ٤٨ من سورة هود، م٦، ١٢/١١٥.


الصفحة التالية
Icon