فقد عقدت مجالس يحيى بن سلام في إلقاء تفسيره واختياره في القراءة في مدينة القيروان(١)، ومن ثم كان له تلامذته في القراءة الذين تخرجوا من مجالسه، ومنهم: محمد بن يحيى بن سلام، وأبو داود العطار، وزيد بن سنان، ويلاحظ أن الأولين هما اللذان وصلنا تفسيره مروياً عن طريقهما(٢).
وإذا كان يحيى بن سلام يمثل جانب اختيار القراءة بدون ذكر لسبب اختيارها - وهو الذي يسمى عند العلماء بترجيح القراءة - فقد بدأت بعده محاولات للاختيار في القراءة بناء على ترجيح لهذه القراءات، ولعل ابن مجاهد صاحب السبعة في القراءات يمثل هذا الاتجاه ؛ إذ بنى ترجيحه لهذه القراءات السبعة على شهرتها وتواترها عن أصحابها(٣).
وأما في المغرب العربي فتشير الدلائل إلى أن المقرئ محمد بن عمر بن خيرون ((قدم بقراءة نافع على أهل أفريقية، وكان الغالب على قراءتهم حرف حمزة، ولم يكن يقرأ بحرف نافع إلا خواص، حتى قدم ابن خيرون فاجتمع إليه الناس))(٤). والملاحظ من هذا النص أن قراءة حمزة كانت غالبة على أهل المغرب العربي مع اختيار الخواص لحرف نافع، وإذا ضممنا إلى ذلك أخذ يحيى بن سلام على سبيل المثال قراءة الحسن البصري عن تلاميذ الحسن حتى وصفه ابن الجزري بأنه كان له اختيار في القراءة(٥)، يتضح من ذلك أن القراءات في المغرب العربي كانت متعددة إلا أنه وقع الاختيار على قراءة نافع من طريق ابن خيرون إذ تدفقت إليه جموع الطلاب، مع أن هذا لا يعني أن قراءة نافع لم تكن موجودة قبل ابن خيرون، لكنه يعني أنها كانت اختياراً لبعض الخاصة دون أن تكون منتشرة وذائعة الصيت.
(٢) …انظر القراءات في إفريقيا ص ١٥٨-١٥٩
(٣) …السبعة لابن مجاهد ص ٤٩-٥٢.
(٤) …تاريخ العلماء والرواة بالأندلس لابن القرطبي ٢/١١٢.
(٥) …غاية النهاية في القراء لابن الجزري ٢/٤١