ومن ثم وُجد المصحف مع هؤلاء الصحابة ومَنْ بعدهم، وتداوله أهل المغرب العربي يقرؤونه ويتعلمونه، إلى جانب أن هؤلاء الفاتحين كانوا يتمتعون بحفظ كتاب الله تعالى في صدورهم، فهذا حنش الصنعاني أحد التابعين الذي شهد فتح المغرب العربي وسكن القيروان، يقول عنه عبدالله بن وهب :((كان حنش إذا فرغ من عشائه وحوائجه وأراد الصلاة من الليل أوقد المصباح... وإذا تعايى نظر في المصحف))(١). وهذه العبارة ((تدل على أن حنشاً كان من حفاظ القرآن وإنما يلجأ إلى المصحف للتأكد من صحة تلاوته))(٢)، فلا يستغرب وجود الكتاب في العصور المبكرة للإسلام في المغرب العربي، فقد روى غياث بن أبي شبيب قال :((كان سفيان بن وهب صاحب رسول الله ﷺ يمر بنا ونحن غلمة فيسلم علينا ونحن في الكتّاب))(٣).
وأما موسى بن نصير - الذي يعد فتحه للمغرب بداية الاستقرار الشامل لنظام الإسلام في أرجاء المغرب العربي والأندلس - فقد كان اهتمامه بتعليم القرآن في المغرب العربي ناتجاً عن ارتداد البربر عن الإسلام، ((وقد اختار من جنده بضعة عشر رجلاً من فقهاء القراء وندبهم إلى سائر الجهات ينشرون الإسلام ويشيعون بين الناس حب القرآن والتشبث بآدابه))(٤).
(٢) …القراءات بإفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري ص٣٣.
(٣) …رياض النفوس للمالكي ١/٥٩.
(٤) …القراء والقراءات بالمغرب، سعيد أعراب، ص ٧