ومما اشتهرت به هذه المدرسة كتابة المصحف الشريف على يدي مقرئيها الذين اهتموا بكتابته بالرسم العثماني بواسطة الدواة والقلم، ومن أمثلة دأبهم في ذلك أن أحد أساتذتها وهو الشيخ محمد عمار بن محمد الحاج نسخ بقلمه خمسة وأربعين مصحفاً إلى جانب الكثير من الأجزاء والأرباع(١).
٣ - الكتاتيب : إذا كان المسجد أول معهد للتعليم وداراً للعبادة معاً، فإن الكتاب يعد أول معهد استقل بمهنة تعليم القرآن الكريم على وجه الخصوص، وربما ضم إلى ذلك ما يحتاج إليه الصبي في حفظه للقرآن من تعلم مبادئ القراءة والكتابة وبعض مبادئ الإسلام الفقهية أو التربوية، وقد اشتهر المغاربة بعنايتهم بتلقين القرآن الكريم وتحفيظه لناشئتهم منذ نعومة أظفارهم، ويرى ابن أبي زيد القيرواني أن في تلقين الصبي القرآن مبكراً فائدة تربوية لخصها بأنه "يروى أن تعليم الصغار لكتاب الله يطفئ غضب الله، وأن تعلم شيء في الصغر كالنقش في الحجر))(٢).
ويعد الكتاب وسيلة ضرورية في مواجهة المدارس العصرية التي قلصت بصفة ملحوظة من حفظ القرآن الكريم، وجعلت وقت الأطفال فيها موزعاً بين العلوم العصرية المختلفة، ومن ثم شعر الكثير من الآباء بأن الأبناء بحاجة إلى الاهتمام بهم في مجال حفظ القرآن الكريم بقدر حاجتهم إلى تعلم العلوم والمعارف العصرية، ولعل هذا الشعور من العوامل المهمة التي أدت إلى استمرار وظيفة الكتاب على الرغم من وجود المدرسة العصرية.

(١) …انظر رسالة المسجد - تصدر عن وزارة الستون الدينية والأوقاف بالجزائر العدد الرابع رمضان ١٤٢٤ هـ ص ٤٨ وما بعدها. مقاله مدرسة ساهل أقبلي وجهودها في خدمة القرآن الكريم ما بين القرن الثالث والرابع عشر الهجريين للأستاذ - أحمد بن مالك.
(٢) …الرسالة الفقهية لأبي زيد القيرواني ص٧٣. وانظر: الدراسات القرآنية بالمغرب في القرن الرابع عشر الهجري ص ١٤.


الصفحة التالية
Icon