فجَمَع القرآن بين دفّتين، وكلَّف زيد بن ثابت - رضي الله عنه - بعمل ذلك، نظراً لحفظه وإتقانه وقُوَّته وأمانته وكتابته للوحي، في عهد النبي - ﷺ -(١) وحضوره العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، كما روى ذلك البغويُّ في شرح السُّنة(٢).
وفي عهد عثمان - رضي الله عنه - نسخت المصاحف أكثر من نسخة، وكان سبب ذلك اختلاف الناس في القراءة حتى كاد يُكفِّر بعضُهم بعضاً.
فجمع عثمان - رضي الله عنه - الناس على حرفٍ واحدٍ هو حرف قريش(٣)، واختار لذلك أربعةً من أجلاء الصحابة وقرائهم وهم: عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين(٤).
المطلب الثاني: عناية التابعين بالقرآن الكريم
في هذا العهد اجتهد العلماءُ فقاموا بـ (نقط المصحف وتشكيله وتجزئته).
وذلك بسبب كثرة اللَّحن في كتاب الله عز وجل، فكثُر اللَّحنُ وانتشر على ألسنة الناس، فأشار زياد بن عبيد الله- ت ٥٣ه- والي البصرة حينذاك على أبي الأسود الدُّؤَلي(٥) بوضع علاماتٍ للإعراب، فقام بما هو آتٍ:
نقطة فوق الحرف المفتوح؛ نقطة تحت الحرف للكَسْر.
نقطة بين يدي الحرف للضم؛ نقطتين للحرف المنوَّن(٦).
(٢) شرح السنة للإمام البغوي ٤/٥٢٥-٥٢٦.
(٣) رواه البخاري- كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن (ح ٤٩٨٧).
(٤) ينظر: البرهان في علوم القرآن- للإمام الزركشي ١/٢٣٥-٢٤٠.
(٥) أبو الأسود الدؤلي، قاضي البصرة، وصاحب النحو، اختلف في اسمه أصحها أن اسمه ظالم ابن عمرو، قرأ القرآن على علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وأبي بن كعب وابن مسعود رضي الله عنهم، وعنه ولده حرب، ويحيى بن يعمر وغيرهما، توفي سنة ٩٩ه. ينظر: معرفة القراء الكبار ١/١٥٤-١٥٥، غاية النهاية ١/٣٤٥-٣٤٦.
(٦) ينظر: المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو ص ٣-٤.