٥-إن عمل أصحاب الغريب عمل معجمي، غايته شرح معاني المفردات وتوضيحها بعامة، لا حصر الغريب، يصدق ذلك قول ابن قتيبة في مقدمة غريبه :( قد كنت زماناً أرى أن كتاب أبي عبيد قد جمع تفسير غريب الحديث، وأن الناظر فيه مستغن به، ثم تعقبت ذلك بالنظر والتفتيش والمذاكرة فوجدت ما تركته نحواً مما ذكر أو أكثر منه، فتتبعت ما أغفل وفسرته على نحو ما فسربالإسناد لما عرفت إسناده، والقطع لما لا عرفه، وأشبعت ذلك بذكر الاشتقاق والمصادر والشواهد من الشعر، وكرهت أن يكون الكتاب مقصوراً على الغريب، فأودعته من قصار أخبار العرب وأمثالها، وأحاديث السلف وألفاظهم ما يشاكل الحديث أو يوافق لفظه لفظه، لتكثر فائدة الكتاب، ويمتع قارئه، ويكون عوناً على معرفته وتحفظه ) (١).
وهذا النهج الذي ذكره ابن قتيبة هو نهج أصحاب المعاجم الذين يفسرون المادة ويذكرون اشتقاقها ومصادرها... يوضح ذلك قول ابن منظور في مادة "عرب" : العُرْب والعَرَب جيل من الناس معروف، خلاف العجم.. وتصغيره بغير هاء نادر. العُريب تصغير العرب... والعربُ العاربة : هم الخلص منهم، وأخذ من لفظه فأكد به... والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدوياً... والتعريب بعد الهجرة : هو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب، بعد أن كان مهاجراً... والعربية : هي هذه اللغة، واختلف الناس في العرب لِمَ سموها عرباً فقال بعضهم : أول من أنطق الله لسانه بلغة العرب يعرب بن قحطان (٢).
إنها أدلة سقناها لتكون البيان والحجة والبرهان على صحة ما نذهب إليه، لذا نقول مجدداً إن الاسم الأدق لمؤلفات الغريب هو "شرح مفردات..."
وتبقى إشكالية أخرى عالقة، وهي لماذا سمى أصحاب المصنفات كتبهم "بالغريب" مع أن مادة "غريب" لا تختزن في مضامينها معنى الشرح والتفسير والتوضيح ؟ ما سرُّ هذه التسمية؟ وهل أطلقت مجازاً لتحمل معنى التفسير؟

(١) غريب الحديث ـ ابن قتيبة ١/٥ـ٦
(٢) لسان العرب ( عرب )


الصفحة التالية
Icon