١-إن ألفاظ العربية -بعد اجتماع العربية في لغة قريش- لم تحمل الدلالة الواحدة عند القبائل المختلفة، فقد تحمل لفظة معنى في قبيلة، ومعنى مخالف في أخرى، يتوضح معنى الاختلاف- كمثل- من خلال مادة "قرء" قال المبرد : أهل الحجاز يرون "الإقراء" الطهر، وأهل العراق يرونها الحيض، وأهل المدينة يجعلون عِدَد النساء الأطهار (١)، ولهذا اعتور العربية الإغراب والكل، نتيجة اجتماع القبائل، فلفظةٌ تتداول على لسان قوم، تعتبر غريبة لدى قوم آخرين، وقد ألمح ابن فارس إلى ذلك، فقال: كل هذه اللغات مسمّاة منسوبة وهي وإن كان لقوم دون قوم فإنها لما انتشرت تعاورها كَلٌّ، ومن الاختلاف اختلاف التضاد، وذلك قول حِمْيَر للقائم : ثِبْ أي اقعدْ (٢).
٢-إن العرب- في أحيان كثيرة- لا يفهمون كلام بعضهم بعضاً، وبخاصة عندما تتكلم كل قبيلة لغتها الخاصة بها ؛ لأن كل لغة تختلف عن غيرها من لغات القبائل بأمور (٣)، ويدعم ذلك ما روي عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه سأل رسول الله "ص" حين كان يخاطب وفد بني نهد، قال : يا رسول الله نحن بنو أبٍ واحدٍ، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره فقال : أدّبني ربي فأحسن تأديبي، ورُبيتُ في بني سعد. فكان "ص" يخاطب العربَ على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، وتباين بطونهم وأفخاذهم وفصائلهم، كلاً منهم بما يفهمون، ويحادثهم بما يعلمون (٤).

(١) الكامل في اللغة والأدب ـ ١/٣٦٠ ـ ٣٦١
(٢) الصاحبي في فقه اللغة، ص ٣١ ـ ٣٢
(٣) الصاحبي في فقه اللغة، ص ٢٨ ـ ٣٠
(٤) النهاية في غريب الحديث والأثر ١/٤


الصفحة التالية
Icon