استناداً إلى هذه الملابسة اللغوية الحاصلة من اجتماع القبائل العربية - وبخاصة بعد الإسلام- أصبحت اللفظة المتداولة في وسط عربي غريبة لدى الآخرين، ومن هنا يبرز سبب استعمال مصطلح "غريب" في أسماء المصنفات فالغرابة نسبية، ولهذا يمكن القول إن حد الغرابة في اللفظة يتغير بتغير القبيلة فما تصدق عليه الغرابة من الألفاظ في قوم وعصر لا تصدق عليه في قوم آخرين وبعد حين.
نخلص من التماس عذر تسمية " الغريب " لنضع توجيهين يفيدان دارس العربية، والباحث فيها :
ـ الأول لغوي وهو اتساع مادة "غريب " لتشمل معنى آخر في أحشائها سوّغها لها المؤلفون في الغريب، وهو معنى الشرح والتوضيح اللذين يؤديهما مصطلح معجم، وقاموس.
ـ والثاني أكاديمي يقتضي أخذ الأمور بشيء من الاحتراز عند التعامل مع مصادر العربية. فما حمل اسم الغريب ليس ضرورة أن يبحث في ألفاظ غريبة في القياس والاستعمال، غير مأنوسة، بل هو أشبه ما يكون بقاموس لغوي، وكذلك الالتفات إلى غيرها من المصادر والتريث في الحكم على مضمونها، لا الانجرار في الحكم عليها حملا على اسمها، ومن أمثلة ذلك كتاب الخليل بن أحمد رحمه الله الموسوم " الجمل في النحو " فللوهلة الأولى يُظن أن مباحثه تدور حول مصطلح الجملة في العربية، وأنواعها وأقسامها... وسواها من الأمور التي تفرضها التسمية ولكن الفحوى غير ما دل عليه العنوان، بل هو كتاب- كما صرح به صاحبه- فيه جملة الإعراب إذ كان جميع النحو في الرفع والنصب والجروالجزم، قال : وقد ألفنا هذا الكتاب وجمعنا فيه جمل وجوه الرفع، والنصب، والجر، والجزم، وجمل الألفات، واللامات، والهاءات، والتاءات، وما يجري من اللام الفات (١).
( ٣ ) الفرق بين كتب غريب القرآن وكتب الوجوه والنظائر : ـ