إن حركة التأليف في غريب القرآن هي الحركة العلمية الأولى في الإسلام، بدأت في عصر مبكر، لا يعدو النصف الأول من القرن الهجري الأول، ودوِّنت بعد هذا التاريخ بقليل، وسارت في طريقين للانتظام : الترتيب وفقا للسور في المصحف، وهو أقدمها، والترتيب الألفبي، وكانت في جملتها تفتقر للدقة والمنهجية المنظمة على اختلاف طرائقه، فكانت الألفاظ ترتب في داخل السورة بحسب ورودها في الآيات، أما الترتيب الألفبي فابتدأ معقدا عند ابن عزير السجستاني في القرن الرابع من جهة، ومبسطا من جهة أخرى، معقدا من حيث فصله بين المفتوح والمضموم والمكسور، ومبسطا من حيث إدخاله الحروف الأصلية والمزيدة في اعتباره، وكان من آثار هذا التعقيد أنْ لم يتبعه أحد من المؤلفين غير صاحبه، وأنّ الذين اعتمدوا على كتابه غيّروا هذا الترتيب إلى الترتيب بحسب السور، مثل المارديني وابن الهائم، ولكن هذا الترتيب ارتقى سريعا، فتخلّص من كل تعقيداته وقيوده، ووصل إلى قمة الانتظام في القرن الخامس على يد الراغب الأصفهاني، الذي اعتبر الحروف الأصلية وحدها، ونظر إلى الألفاظ من أولها إلى آخرها، وقد غفل عن بعض آثار الضعف المتخلفة في ترتيبه في الثنائي والمضاعف، والمعتل والمهموز، ولكنها لا تشوِّه عمله لقلّتها، ثم جاء الرازي في القرن السابع، فعدل عن ترتيب الراغب، واصطنع ترتيب الجوهري، وجمع أبو حيان بين ترتيبي الراغب والجوهري، وأسقط الحشو، فكان ترتيبه غاية في التعقيد، ثم رجع الحافظ العراقي في القرن التاسع إلى ترتيب الراغب.


الصفحة التالية
Icon