وكان لتناول معاني الغريب مذاهب، فكان من المؤلفين من جمع كتابه من كلّ شيء مثل ابن قتيبة، ومنهم من مال إلى الاختصار كأبي حيان، ومنهم مَن كان يأخذ من المفسرين كابن قتيبة، ومنهم مَنْ غلبت عليه النظرة اللغوية كسائرهم، فاختفت من كتبهم أسماء مجاهد، وعكرمة، والحسن، وغيرهم، وقد اعتمد غريب القرآن في مراحله الأولى، في تفسير كلماته على الشعر وخاصة الجاهلي منه، كما رأينا في مسائل نافع بن الأزرق، وقد فعل ذلك ابن قتيبة في "غريب القرآن" إذ إنه استشهد بالأشعار والأحاديث وأقوال العرب، وحاول بعضهم أن يتبع دوران الألفاظ في السور المختلفة، فظهر ذلك بصورة أولية بادئة عند السجستاني، واشتد إلى درجة لا بأس بها عند الراغب، واختلف عنهم الراغب في عنايته بالصور المجازية المستمدة من الألفاظ القرآنية، ويدل على هذا أنّ الراغب هو القمة التي وصلت إليها حركة التأليف في غريب القرآن في الترتيب والعلاج.
ونهج أكثر الذين ألفوا في الغريب فيما بعد هذا المنهج، واستفاد العلماء بعضهم من بعض، فهذا صاحب "عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ" الشيخ أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بالسمين ت ٧٥٦/ هـ قد اتبع في ترتيبه منهج المعاجم معززاً شرح الألفاظ بالشواهد القرآنية وبالحديث والأمثال والشعر، وقد اعتمد أصل الكلمة مجردة من الزوائد، وقام بتحليل اللفظة مجردة من المزيد، وتعرض لأصولها واشتقاقاتها وتطور معناها، واختلاف هذا المعنى من حيث الاستعمال، أي أن المؤلف كان يتابع اللفظ صرفياً وأصولياً فهو يفوق كتاب "المفردات" للأصفهاني، وقد أكمل في كتابه "عمدة الحفاظ" النواقص الواردة في القراءات، وسدد المآخذ التي أخذها على الأصفهاني (١). وما لبث النظام الهجائي المعجمي أن استقر في القرون الأخيرة.

(١) انظر مقدمة عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ ١/٣٩


الصفحة التالية
Icon