إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف لا تثار فيه الشهوات كل لحظة ولا تهاج فيه العواطف، وإن إحدى الوسائل لإنشاء مجتمع إسلامي هي الحيلولة دون استثارة الشهوات وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين سليمًا فأمر الرجل والمرأة كلاً على حدة أن يغض من بصره وأن يحفظ فرجه عن كل منكر ويستروا عوراتهم لأن ذلك أطهر لقلوبهم من دنس الريبة وأنقى لها وأحفظ من الوقوع في الفجور فالنظرة تزرع في القلب شهوة وربما شهوة أورثت حزنًا طويلاً. قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: ٣٠، ٣١](١).
يقول القرطبي: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر سقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشى الفتنة من أجله. وغض البصر عما حرم الله يورث حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أطيب مما صرف بصره عنه وتركه لله تعالى. فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه. والنفس مولعة بحب النظر والعين رائد القلب فإذا كف الإنسان بصره استراح القلب(٢).
(٢) …الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، جـ١٢، ص٢٢٣.