الحسود إنسان حقود تشقيه سعادة الآخرين، ويؤلمه ما يصيبهم من نعم، فلا يرى على عبد نعمة إلا وتمنى زوالها أو تمنى أن تصير إليه، وقد يعقب الأماني السعي في ذلك. والحسد قلما يشفى منه صاحبه. ولذا أمرنا الله بالاستعاذة من الحاسد وحسده.
واليهود كفروا بالنبي × وبما جاء به حسدًا ولم يكتفوا بذلك بل أعملوا مكرهم في رد المؤمنين عن دينهم قال تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: ١٠٩] وقد حذر النبي × أمته ما يفرق المؤمنين ويقطع وشائج أخوتهم ويزرع الأحقاد بينهم وفي طليعة ذلك الحسد، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ×: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا) (١). فالحاسد عدو النعم، وأصله بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها(٢).
وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله (إذا حسد) لأن الشخص قد يكون عنده حسد، ولكنه يخفيه، ولا يرتب عليه أذى بوجه ما، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، ولا يعامل أخاه إلا بما يحب. فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله. فهذا الإنسان لا يطيع ما تأمره به نفسه من الحسد ولا يأتمر به، بل يعصيها طاعة لله وخوفًا وحياءً منه، وإجلالاً له، أن يكره نعمه على عباده. فيرى ذلك مخالفة لله وبغضًا لما يحب الله. فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمني زيادة الخير له.
ويندفع شر الحاسد بإذن الله بعدة أسباب ذكرها ابن قيم الجوزية منها:
(٢) …بدائع التفسير، لابن قيم الجوزية، جـ٥، ص٤١٩.