٣ - في نهاية المطاف لابد من الوقوف طويلاً أمام سورة الحجرات؛ هذه السورة المدنية على إيجازها فإنها سورة جليلة تتضمن كثيرًا من حقائق التربية الأخلاقية وبناء مجتمع إسلامي ذا خلق قويم. ونخص آيتين منها ونعيش في رحابها بوجدان المؤمن وشعور المعجب الفخور بنهج الإسلام لنكشف صورة المجتمع المثالي الذي يعتمد على الحب والإخاء.
يقول جل ثناؤه :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِن بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢) ﴾ [الحجرات: ١١، ١٢].
إن من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض عدم السخرية أو التنابز بالألقاب أو سوء الظن أو التجسس. فالله عز وجل ينهاهم عن هذه الصفات الذميمة؛ لأن فيها احتقار واستهزاء واستصغار الآخرين وهي لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق متحل بكل خلق ذميم ومتخل عن كل خلق كريم ثم أرشدتهم الآيات إلى التوبة إلى الله وأن يخرج المسلم من حق أخيه المسلم، باستحلاله والاستغفار والمدح مقابلة على ذمه.
وفي نهاية الآيتين حذرت من التخلق بسوء الظن للمؤمنين وعن التجسس فهو خلق ذميم يدفع صاحبه إلى التلصص على عورات المسلمين والتنصت إلى أحاديثهم. إما بدافع الانتفاع ولو على مصلحة الآخرين والإضرار بهم، أو بدافع الانتقام والتشفي منهم وإيقاع الأذى بهم.