فالنداء بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ يعم جميع الناس على اختلاف ألوانهم في مختلف أقطارهم وعلى تباين مقاماتهم في الحياة. يخبرهم تعالى أنه خلق بني آدم من أصل واحد وجنس واحد، وكلهم من ذكر وأنثى ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء، ولكن الله بث منهما رجالاً كثيرًا ونساء، وفرقهم وجعلهم شعوبًا وقبائل، لأجل أن يتعارفوا لا ليتفاخروا؛ فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه لم يحصل ذلك المتعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث، والقيام بحقوق الأقارب ولحوق الأنساب.
ثم بينت الآية الكريمة الخصلة التي بها يفضل الإنسان غيره ويكتسب الشرف والكرم عند الله فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ فاتضح من هذا أن الفضل بالأمور الدينية وهي العمل الصالح المقترن بطاعة الله وإخلاص العمل ومتابعة الرسول ×(١).
يقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - (فأكرمهم عند الله أتقاهم، وهو أكثرهم طاعة، وانكفافًا عن المعاصي، لا أكثرهم قرابة وقومًا، ولا أشرفهم نسبًا، ولكن الله تعالى عليم خبير، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ظاهرًا وباطنًا فيجازي كلاً بما يستحقه. وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب مطلوبة مشروعة، لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل لأجل ذلك) (٢).
وفي تفسير هذه الآية يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله: (هذه الآيات القرآنية تدل على أن الإسلام دين سماوي صحيح لا نظر فيه إلى الألوان ولا إلى العناصر ولا إلى الجهات، وإنما المعتبر فيه تقوى الله وطاعته فأكرم الناس وأفضلهم أتقاهم لله، ولا كرم ولا فضل لغير المتقي ولو كان رفيع النسب) (٣).
(٢) …تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، جـ٥، ص٧٢.
(٣) …أضواء البيان للشنقيطي جـ٥، ص١٧١.