لقد تعددت نصوص القرآن الكريم في الحث على صلة الرحم، تلك الصفة التي تدل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وبها يكتسب المسلم رضا الله سبحانه وتعالى ثم محبة الخلق، فالله سبحانه وتعالى يقرن بين الأمر بتقواه والأمر بصلة الأرحام في قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: ١]، وقوله تعالى: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [الأنفال: ٧٥]، وقوله تعالى: ﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ [الإسراء: ٢٦] وقال ×: (لا يدخل الجنة قاطع رحم) (١).
وقد يظن كثير من الناس أن صلة الرحم تذهب الأوقات والأموال فأخبر النبي × أن الأمر خلاف ما يظنون؛ ففي الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله × قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) (٢) ففي صلة الرحم تحقيق السعة في الأرزاق والبركة في الأعمار بسبب التوفيق إلى الطاعة، وعمارة الوقت بما ينفع في الدنيا والآخرة، وما يحصل للواصل من التوفيق للعلم الذي ينتفع به من بعده، والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح.
وتكون صلة الرحم بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة المستحبة، والإنفاق على القريب، وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلالهم والدعاء لهم. والمعنى الجامع (إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة) وهذا إنما يستمر إن كانت صلتهم تقربهم إلى الإسلام، فإن أصروا على باطلهم فمقاطعتهم صلتهم وهذا لا يمنع من الدعاء لهم بالصلاح والهداية(٣).
(٢) …المرجع السابق، جـ١٠، ص٥١٠.
(٣) …انظر: فتح الباري، جـ١٠، ص٥١٤.