عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي × قال: (إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى يارب. قال: فهو لك. قال رسول الله × فاقرؤوا إن شئتم ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢) ﴾ [محمد: ٢٢](١).
يقول القرطبي: (الرحم على وجهين: عامة وخاصة؛ فالعامة رحم الدين ويجب مواصلتهم بمواصلة الإيمان والمحبة لهم ونصرتهم، والنصيحة وترك مضارتهم والعدل بينهم والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم الواجبة؛ كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم، وأما الرحم الخاصة وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم؛ وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب) (٢).
وإن من مكارم الأخلاق التي يحث عليها ديننا الحنيف أن تصل من قطعك من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك إذا قطعوك، وألا نعاملهم بالمثل في حال إن قاطعونا وفي هذا يقول ×: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)(٣).
فصلة الرحم يجب أن تقصد لذاتها، فلا يصح أن يكون الدافع لها مقابلة الإحسان من الأقرباء بإحسان مثله. إنما يجب أن يؤدي واجبه نحوهم وإن قصروا هم نحوه.
(٢) …الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، جـ١٦، ص٢٤٧، ٢٤٨.
(٣) …فتح الباري، جـ١٠، ص٥١٩، كتاب الأدب، رقم الحديث ٥٩٩١.