إن من سنة الله في خلقه أن الناس طباعهم متباينة، والدين أعظم مهذب للنفوس ومقدم للطباع فمن أخذ بآدابه استقام خلقه واعتصم بالصبر وتجاوز أرباب الهفوات وعفا عن أصحاب الزلات وتسلح بالرفق والأناة وسعة الصدر. وأن الواجب على المسلم أن يدرب نفسه على ذلك وأن يلزمها العفو عن إخوانه المسلمين وترك الإقدام على مجازاة المسيء منهم، فإنه لا سبيل إلى محو أثار الإساءة أفضل من الإحسان والرحمة(١). وليكن قدوتنا في ذلك حبيبنا × الذي قال فيه سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: ١٥٩].
ثالثًا: الإيثار:
هو شعور نفسي يترتب عليه تفضيل الإنسان غيره على نفسه في الخيرات والمصالح الشخصية النافعة.
قال القرطبي: (الإيثار هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية، ورغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة)(٢).
والإيثار خلق نبيل إذا قصد به وجه الله تعالى كان له من الفوائد الجمة فهو طريق موصل إلى محبة الله ورضوانه، ومظهر من مظاهر حسن الظن بالله، ودعامة كبيرة من دعائم التكافل الاجتماعي وبه تحصل الألفة والمحبة بين الناس، دليل سخاء النفس وطهارتها وصفاء سريرتها، وهو يجلب البركة ويحقق الخير للإنسان، وهو طريق موصل للفلاح لأنه يقي الإنسان من داء الشح والأثرة الذميمة(٣).
(٢) …تفسير القرطبي، جـ١٨، ص٢٦.
(٣) …موسوعة نضرة النعيم، جـ٣، ص٦٤٠.