وبذلك فيكون الخلاف من الطرفين لا يوفقان لإزالته ابتداء بجهودهما الخاصة. لأجل كل هذا وغيره فإن الشارع الحكيم - كما ذكرنا - حريص على هذه النواة الطيبة وهي الأسرة فشرع أحكامًا لحل المشكلات الأسرية التي حصلت من الزوجين معًا. قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (٣٥) ﴾ [النساء: ٢٥].
الخوف هنا بمعنى العلم واليقين. والشقاق: مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيان ما يشق عليه من الأمور، فأما الشقاق من المرأة في النشوز وتركها أداء حق الله الذي ألزمها الله لزوجها، وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف أو تسريحها بإحسان.
قوله تعالى: ﴿ فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ للحكم صفات تؤهله بأن يكون مسلمًا عاقلاً عدلاً، وأن يكون من أهل الزوجين؛ لأنه أعرف بأحوالهما وأن يعرفا أن واجبهما السعي في إصلاح ذات البين، وأنهما مؤتمنان على أسرار الزوجين، وليس غرضهما التشهير، ثم إن عليهما أن يحكما بهدوء بعيدًا عن الانفعالات النفسية.
وقوله تعالى: ﴿ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ قيل أن الضمير المثنى يعود للزوجين وإن لم يجر ذكر لهما لوجود قرينة، فيكون المعنى: أنهما إذا أرادا الإصلاح يوقع الله الموافقة والألفة بينهما، وقيل إن الضمير يعود للحكمين فيكون المعنى: أن الحكمين أنهما إذا أصلحا النية لصلاح الحال بين الزوجين وكانت قلوبهما ناصحة بارك الله في وساطتهما ووفقهما لإيجاد الحلول المناسبة وهيأ لهما الزوجين في قبول هذه الحلول وهذا ما ذكره ابن جرير(١).