ولأن من هذه الظواهر المميزة لهذا الوجود الكبير ظاهرة الحركة المستمرة، أو الحيوية المتجددة التي لا تأسن، أو (الظاهرة الارتحالية) التي تشمل الكون والحياة وكذلك الإنسان.
وهذه الظاهرة الحيوية، يستشعرها المرء في كل شيء، في هذا الوجود الكبير.
والله ـ عز وجل ـ يصور هذه الحركة الكونية المستمرة في أكبر جرم كوني نراه، وهو الشمس؛ فهي في حركة دائبة سرمدية لا تهدأ، أو هي تجري فعلاً، لمستقر ونهاية لا يعلمها إلا الله ـ عز وجل ـ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: ٣٨].
وهذه الحركة الدائبة ليست عشوائية، بل تحكمها قوانين ثابتة، وهي سنن إلهية لا تتبدل ولا تتغير إلا بإذنه ـ تعالى ـ تحافظ على سيرها في توافق عجيب ينتظم فيه كل شيء، بما فيه ظاهرتا الليل والنهار: ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
وكذلك لو تأملت أصغر جرم كوني وهو الذرة؛ لوجدت أن العلماء قد أثبتوا أن الحركة المستمرة الدائبة لمكوناتها هي إحدى سماتها ومميزاتها الثابتة.
لذا فإن المسلم يدرك أنه جزء من هذا الوجود الكبير الساجد المسبح لربه سبحانه، ويعلم أن الله ـ عز وجل ـ لا يهب نعمه العظيمة إلا لمن يسعى في أسباب الحصول عليها؛ أي يتعامل بطبيعة إيجابية مع النعم والمقدرات التي وهبها له الحق سبحانه.
وذلك كما ورد عن الرجل الصالح ذي القرنين: ﴿إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٤ - ٨٥].
وتدبر سنة الله ـ عز وجل ـ في مجال نعمة الرزق: ﴿وَهُزِّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ [مريم: ٢٥].