ثم أمره أن يواصل المسيرة ويأخذ الأمر بالجد والاجتهاد، والإصرار: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢].
(فإن كمال الإنسان مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثار الحق على الباطل.
وما تفاوتت منازل الخلق عند الله ـ تعالى ـ في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين؛ وهما اللذان أثنى الله بهما ـ سبحانه ـ على أنبيائه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ﴾ [ص: ٤٥].
فالأيدي: القوة في التنفيذ. والأبصار: البصائر في الدين. فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه) (١).
وقد علَّم الحق ـ سبحانه ـ الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكل داعية يأتي من بعده أن هذا المنهج آخر حكم عدل، وأنه جد وحق: ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ [الطارق: ١٣ - ١٤].
وإنه لدرس لكل من أراد أن يكمل المسيرة، ويشارك الطليعة المؤمنة في همومها، وعبئها، أن يدرك مدى جدية المنهج، وجدية الطريق، وجدية التبعة.
وإنه لدرس عظيم أن ندرك قاعدة الجزاء من جنس العمل.
؟ السمة الخامسة: فهم الدور الموكول، وهو البلاغ المبين:
وتحكي القصة أن الرسل الكرام عندما واجههم أهل القرية المكذبين الرافضين للفكرة؛ حيث: ﴿قَالُوا مَا أَنتُمْ إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إنْ أَنتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ﴾ [يس: ١٥].
فكان ردهم الواثق الهادئ: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَمَا عَلَيْنَا إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [يس: ١٦ - ١٧].

(١) - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ابن القيم، طبعة دار الكتاب العربي، بيروت، ١٤٦ ـ ١٤٧.


الصفحة التالية
Icon