أي إن تكذبونا فليس هذا ينقص من الأمر شيئاً فيكفي أن الله ـ عز وجل ـ يعرفنا، ويعرف مهمتنا، وكذلك إن تكذبونا، فلن نحاسب على استجابتكم، بل سيحاسبنا الله ـ عز وجل ـ على المهمة التي حمَّلنا إياها، وهي البلاغ، والبلاغ المبين الواضح الجلي.
فإلى هنا نكون قد أعذرنا إلى الله عز وجل، وبلغناكم الرسالة: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.
ومن خلال رد الرسل الكرام ندرك سمة مهمة أخرى من سمات أي طليعة مؤمنة، وهي فقه المهمة وفقه الدور المطلوب. وهذه المهمة هي البلاغ، التي هي مهمة رسله ـ سبحانه ـ وأنبيائه: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: ٣٥].
والبلاغ لا بد أن يكون مبيناً واضحاً جلياً لا غموض فيه، كما جاء على لسان الرسل الكرام: ﴿وَمَا عَلَيْنَا إلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾.
وهذه المهمة يأتي التأكيد عليها دوماً، عند وصول الرسالة إلى طريق مسدود، كما جاء في سياق القصة.
وكما أخبر ربنا على لسان صالح ـ عليه السلام ـ عندما كذبه قومه، وعقروا الناقة، ثم أخذتهم الرجفة المهلكة، فأعلن ـ عليه السلام ـ أنه قد أدى ما عليه، فبلغ رسالة ربه: ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٧٨)فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٧٦ - ٧٩].
وحتى نعي خطورة هذه السمة، ألا وهي الدور البشري، في تحقيق أي أمر، لا بد أن نوضح قاعدة مهمة، وهي أن ركيزتي تحقيق أي عمل أو أي إنجاز ـ سواء على المستوى الفردي، أو على المستوى الجماعي، بل حتى في مجال التغيير الحضاري، وكل التحولات الاجتماعية ـ هما الترجمة الواقعية للآية الكريمة: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: ٥].


الصفحة التالية
Icon